31 أكتوبر 2025
تسجيلإن الحديث عن اللغة العربية له شجون خاصة، فلها قيمة جوهرية في حياة كل أمة، فهي الأداة التي تحمل الأفكار وتنقل المفاهيم فتقيم بذلك روابط الاتصال بين أبناء الأمة الواحدة، وهي الترسانة التي تحمي الأمة وتحفظ هويتها وكيانها ووجودها وتحميها من الضياع والذوبان في الحضارات والأمم الأخرى، لذلك لم يكن هناك سبيل إلى ضبط الدين ومعرفته إلا بضبط هذا اللسان العربي المبين، وصارت معرفته من الدين وصار اعتياد التكلم به أسهل على أهل الدين في معرفة دين الله، وأقرب إلى إقامة شعائر الدين وأقرب إلى مشابهتهم للسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار في جميع أمورهم، ولغتنا العربية هي سيدة اللغات وهي أجمل وأرقى وأعظم لغة في العالم على الإطلاق، فلا تجاريها وتعادلها أي لغة أخرى في الدقة والروعة والجمال، وهي هوية ولسان الأمة العربية، وهي لغة الأدب والعلم، وهي لغة الحياة بكل معانيها وهي لغة الضاد، وهي اللغة التي شاء الله عز وجل أن تكون لغة كتابه الكريم، فالله سبحانه وتعالى اصطفاها لتكون لغة كتابه العزيز الذي خاطب به البشرية جمعاء على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، لذلك ليس العرب وحدهم هم المطالبون بالحفاظ على العربية وتعلمها، وإنما المسلمون جميعا مطالبون بتعلمها والحفاظ عليها، فاللغة العربية لغة القرآن والدين، ولا يتم فهم القرآن وتعلم هذا الدين إلا بتعلم العربية، مما يزيدنا شوقا للحفاظ عليها والاهتمام بها وتطبيقها في حياتنا لنزداد عزا بها وبالمحافظة عليها. لغتنا شجرة طيبة فروعها مثمرة، فهي بحر زاخر من الألفاظ والمعاني والتراكيب، فهي أوسع لغات العالم بالمفردات والتراكيب، وفيها مدرج صوتي واسع تتوزع فيه مخارج الحروف توزيعا متعادلا من الشفتين إلى أقصى الحلق، فهي لغة التخاطب ولغة الأدب ولغة العلم، بالاضافة إلى أنها لغة العبادة اليومية لكل المسلمين، إذ من المحتوم على المسلمين جميعا أينما كانوا ومهما كانت لغاتهم وأجناسهم ومواطنهم، أن يتعلموا اللغة العربية، وذلك لأن العبادة من صلاة وتلاوة للقرآن الكريم لا تتم إلا باللغة العربية التي أنزل بها القرآن الكريم، فقد خلد الإسلام اللغة العربية حين نزل القرآن بلسان عربي مبين وضمن الله تعالى لها الخلود بقوله الحق سبحانه وتعالى: (إنا نحن نزل الذكر وإنا له لحافظون) الحجر 9، فحفظ القرآن يستلزم حفظ لغته التي نزل بها، فقد زاد الإسلام في لغة العرب رونقا ومتعة، إنه جعلها لغة عالمية غير مقصورة على إقليم معين، يحرص كل مسلم على وجه الأرض على تعلمها ليقرأ بها القرآن في صلاته، وقد انتشرت مع انتشار الإسلام وتبوأت مركز الصدارة في أنحاء العالم المعروفة وقتها وفي شتى فنون المعرفة، واستوعبت حضارات الأمم المختلفة وثقافاتهم، وزادتها وعدلت فيها وابتكرت لتقدمها للعالم فنونا وآدابا وعلوما واختراعات وأنظمة وقوانين ومعارف شتى، فقد نهل العالم من معينها الذي لا ينضب أجيالا بعد أجيال، واستمد منها البشر ما شاء لهم الله أن يستمدوا، وكانت المنارة التي استضاءت بها البشرية، فإن هذا التشريف للغتنا العربية الجميلة هو ما أنزلها منزلة سامية لدى كل من ارتضى الإسلام دينا، فهل وعى العرب والمسلمون أهمية لغتهم وارتباطها بالقرآن الكريم، فبادورا بدراستها والحفاظ عليها، فمن هداه الله للإسلام وشرح صدره للإيمان وآتاه حسن سريرة، اعتقد أن محمدا صلى الله عليه وسلم خير الرسل، والإسلام خير الملل والعرب خير الأمم واللغة العربية خير اللغات والألسنة، والإقبال على تفهمها من الديانة، إذ هي أداة العلم ومفتاح التفقه في الدين وسبب إصلاح المعاش والمعاد، ثم هي الوسيلة الكبرى لإحراز الفضائل والمروءة وسائر أنواع المناقب.