13 سبتمبر 2025

تسجيل

الحالة الداعشية في العالم العربي (6)

10 مارس 2015

أحد أخطر كوارث الحالة الداعشية في العالم العربي تلك الفئة التي يطلق عليها اسم "النخبة"، ومع أن النخبة تضم قطاعا عريضا من المتلاعبين بأقدار الأمة من سياسيين واقتصاديين، إلا أنها تكاد تنصب على ما يسمى بـــ "النخبة المثقفة" أو المثقفين من كتاب ومفكرين وشعراء وأدباء وأساتذة جامعيين ومحللين، أو باختصار، ذلك النفر الذي امتهن "مهنة الكلام" وحولوا الكلمة إلى "سلعة" تباع وتشترى، ومصدرا للارتزاق والشعوذة والتزييف، مع استثناء نفر من الأتقياء الأنقياء الذين أخذوا على عاتقهم قول كلمة الحق مع ما يكلف ذلك من ثمن. الحالة الثقافية في العالم العربي هي "حالة داعشية" بامتياز، وإذا كانت الداعشية تعني الإقصاء والإلغاء واحتكار الحقيقة وقتل الآخر، ماديا ومعنويا، فإن النخبة المثقفة العربية، مع بعض الاستثناءات القليلة، مارست الداعشية ضد الغير بطريقة شرسة، ويكفي إلقاء نظرة على المثقفين العرب لنجد أن غالبيتهم العظمى انحازوا للديكتاتورية والتسلط وحكم العسكر، وتنكروا للحرية والعدالة والثورة وحق الناس في أن يحكموا أنفسهم وذهبوا إلى نعت الناس بـــ "التخلف والجهل" وعدم القدرة على التمييز، وبالتالي فهم لا يستحقون الديمقراطية لأنهم "قاصرون" وغير راشدين.هذه الأوصاف والنعوت والمواقف بحق الشعوب العربية معلنة ومعروفة للقاصي والداني، وهي تبرز "بؤس النخبة المثقفة العربية" التي كان يفترض أن تكون رافعة من روافع الوعي، لكنها على النقيض من ذلك تحولت إلى معول للهدم والتخريب، بعد أن مارست كل أنواع التزييف ضد المجتمع، وهذا أمر ليس بغريب على "نخبة" صنعتها السلطة وترعرعت في أكنافها، واقتاتت على موائدها، فهي "نخبة مصنوعة" أو دعني أقول "مصنعة" على قياس من يحكم، خاصة العسكر الذين كانوا ولا يزالون يستخدمون هذه "النخبة" من أجل تضليل الناس ونفث السموم على شكل ضباب كثيف يحجب الرؤية بل يمنها بالكامل أحيانا.تستحق هذه الفئة بحق لقب "النخبة الداعشية" لأنها صنعت في معامل العسكر والطغاة والمستبدين، ولأنهم مارسوا الإقصاء ضد أي مثقف حقيقي وتآمروا مع السلطة ضده، وسلوا أقلامهم المسمومة ضد أي مثقف يقف إلى جانب الحرية والعدالة وحق الناس في أن يملكوا قرارهم، ومارسوا عمليات الإلغاء ضد الآخر بكل عنف، وسيطروا على الصحف ودور النشر، واستخدموا وسائل إعلام السلطة لاغتيال المثقف المربط بقضايا شعبه.هؤلاء "المثقفون" داعشيون حتى النخاع، وهو التعبير الأكثر تمثيلا لــ "الحالة الداعشية الثقافية" المعادية للقيم والأخلاق والحق، وهم من أركان الداعشية الحديثة التي سبقت داعشية أبي بكر البغدادي، وحولت الحالة الثقافية العربية إلى مستنقع آسن شكل مرتعا لظهور الداعشية الدموية التي نراها الآن، وهي داعشية سيكونون هم "النخبة المثقفة الداعشية" من ضحاياها، ولن يفلتوا منها أبدا، فمن يزرع الشوك لابد أن يحصد الدماء.