11 سبتمبر 2025
تسجيلما يحدث في بر ليبيا خطير ويوشك أن يودي بالدولة إلى حالة من السيولة السياسية والأمنية والاقتصادية وهو ما يستوجب تحركا عربيا فاعلا ونشطا ويتسم بالشمول فضلا عن الجدية لمحاصرة هذه الحالة والوقوف إلى جانب السلطات الرسمية التي تكابد لفرض حضورها المؤثر والنافذ في المشهد الداخلي خصما من رصيد الجماعات والميليشيات المسلحة التي تتحرك من دون ضابط أو رادع لتحقيق مصالح فئوية أو جهوية أو قبلية وهو أمر لا يتسق مع أشواق الليبيين الذين ثاروا قبل ثلاث سنوات ضد حكم العقيد معمر القذافي الذي أمضى حوالي 42 عاما متكئا على ممارسات شاذة من القهر والاستبدادوالقارئ للواقع الليبي الراهن يرصد جملة من التداعيات الشديدة السلبية وفي مقدمتها أن الحالة الأمنية بلغت حالة متردية وبالغة السوء وقد يكون وراء ذلك ما يوصف بفلول نظام القذافي الذين يسعون للانتقام من الوضع الجديد الذي نشأ بعد الثورة لكن النخبة السياسية الجديدة أسهمت بشكل أو بآخر في تعميق هذا التردي لأنها انشغلت بتناقضاتها ومواقفها الحزبية الضيقة الأفق ولم تعر الاهتمام الحقيقي لأحوال الوطن وفي تقديري أنه كان من الضرورة بمكان أن تسارع هذه النخبة إلى بناء مؤسسة أمنية قوية تكون قادرة على ردع من يتجاوز الحدود وذلك كان يستوجب ضم العناصر المسلحة بعد سقوط النظام مباشرة إلى المؤسسة العسكرية أو المؤسسة الأمنية عبر استخدام منهجية الجزرة والعصا م الاستعانة بدور القبائل والتي تمارس تأثيرا واسعا في بلد مثل ليبيا لإقناع هؤلاء الشباب الثائرين والذين كانوا يظهرون انبهارهم بحملهم الأسلحة فوق أكتافهم ويتحركون بها في حرية مطلقة في الشوارع.ولعل من أخطر ظواهر حالة السيولة الأمنية في ليبيا هو سيطرة بعض الجماعات المسلحة على حقول نفط بل وصل الأمر إلى إشراف واحدة منها على تصدير كميات من هذا النفط من خلال الاستعانة بناقلات البترول مساء أمس وهو ما يعني تحديا سافرا لسلطة الدولة وجرأة على حقوقها السيادية.ومن مظاهر هذا التردي أيضا انتشار الأعمال الإرهابية والخطف والمتاجرة في الأسلحة التي تم الحصول عليها من مخازن نظام القذافي على نحو شكل – ومازال - خطرا على بعض دول الجوار ومن بينها مصر وتونس وربما أطراف أخرى وهو ما استدعى عقد مؤتمر بالقاهرة لضبط الحدود مع ليبيا قريبا.وبلغ الأمر ذروته عندما هاجم مسلحون مقر المؤتمر الوطني الليبي الذي يشكل أعلى سلطة في البلاد قبل أيام ونتج عنه إصابة عدد من أعضائه وهو ما اعتبر اعتداء صارخا على الحصانة البرلمانية التي يتمتع بها هؤلاء الأعضاء فضلا عن انتهاك قاعدة احترامهم ومن قبل تعرض رئيس الوزراء الليبي على زيدان لعملية اختطاف استمرت عدة ساعات وهو ما أعطى إشارات سلبية على الدور المتنامي للجماعات المسلحة والذي بات يستوجب الوقوف ضده بكل حزم حماية لمحددات الدولة الليبية. وقد سألت السفير الليبي بالقاهرة محمد فايز جبريل عن تفسيره لما تشهده بلاده من حالة سيولة فعلق قائلا: إن ليبيا تعيش تداعيات ما بعد حكم القذافي الذي استمر أربعة عقود كان فيها هو الدولة والقانون وغيب خلالها فكرة الدولة الوطنية وأطلق على ليبيا مسمى الجماهيرية وفق منهج شيطاني والأسوأ فيه هو أن فكرة الدولة أهدرت تماما في عهده وتلاشت من الأجيال الأربعة التي عاشت هذا العهد الذي امتد إلى أربعين عاما متعاقبة. ومن ثم فإن التحدي الأكبر الذي يواجه السلطة الحالية هو كيفية إعادة بناء الدولة الليبية الوطنية والتي لم يحمها من السقوط والتلاشي التام سوى الأعراف والتقاليد والتي حافظت في الوقت نفسه على حرمة الدم الليبي حتى هذه الساعة. كما حافظت على التوافق الوطني الذي ما زال متماسكا على الرغم مما يبدو على السطح من سلوكيات وتصرفات خاصة من قبل الميليشيات العسكرية.وثمة رؤية لتحسين الأوضاع في بر ليبيا طرحها الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية خلال مشاركته في المؤتمر الثاني لدعم ليبيا والذي عقد بالعاصمة الإيطالية يوم الخميس الماضى وتضمنت ما يلي:أولا: إن المنظمات الإقليمية والدولية فضلا عن الدول الصديقة المعنية بمستقبل ليبيا مطالبة بتكثيف جهودها لخلق آليات عمل فعالة وجدية لتنسيق مساعيها المشتركة لدعم خيارات الشعب الليبي وما يحدده من أولويات، وبما يخدم مصالحه الوطنية العليا أولا وأخيرا ويحفظ لليبيا أمنها واستقرارها ووحدة أراضيها وشعبها، فمستقبل ليبيا هو مسؤولية ليبية أولا وأخيرا، ولكن الأطراف الخارجية عليها توفير الدعم والمساندة وحماية ليبيا من التدخلات الأجنبية وصراع المصالح والأجندات المتضاربة.ثانياً: من الأهمية بمكان اعتماد مقاربة شاملة في معالجة مختلف الملفات المتعلقة بالتحديات الراهنة، فلا يمكن معالجة الملف الأمني، أو القضاء على الإرهاب وضبط التهريب عبر الحدود، أو جمع السلاح المنتشر في جميع أنحاء ليبيا ووضعه تحت سلطة الدولة أو استيعاب الثوار والمليشيات، دون التوصل إلى مصالحة وطنية شاملة ذات مصداقية، ودون تحقيق التوافق المطلوب بين الليبيين حول مختلف الخيارات المطروحة لمستقبل ليبيا السياسي دون أي إقصاء، لأن جميع تلك القضايا هي سياسية بالأصل، والأمر نفسه ينطبق على عملية بناء المؤسسات الدستورية والوطنية الحديثة، وإصلاح الأجهزة الأمنية وتحقيق العدالة الانتقالية وما إلى ذلك من تحديات أخرى.ثالثا: إن الجامعة العربية حريصة على مواصلة التشاور مع الحكومة الليبية لدراسة ما يمكن تقديمه من أجل توفير الدعم لمسار التحول الديمقراطي في ليبيا، وذلك بالشراكة التامة مع الأمم المتحدة مختلف الدول والأطراف المعنية والتعاون مع مختلف الأطراف لإقرار آليات عمل محددة لتنسيق جهود الشراكة العربية والدولية ومتابعة تنفيذها بما يخدم المصالح العليا للشعب الليبي وبناء القدرات لدولة ليبيا الحديثة.