31 أكتوبر 2025
تسجيلتعد التظاهرات المليونية أحد أبرز ملامح الثورة المصرية لتحقيق أهدافها وتوصيل الرسائل السياسية للداخل والخارج، سواء خلال أيام الثورة ذاتها أو بعد نجاح مرحلتها الأولى بتنحي الرئيس المخلوع. حيث شهد ميدان التحرير والميادين المصرية تظاهرات مليونية شبه أسبوعية طوال العام الماضي، والتي انتهى بعضها بأحداث دامية راح ضحيتها العديد من الشهداء والجرحى. ورغم ذلك استمرت الدعوة إليها من قوى سياسية ترى فيها الوسيلة الأقوى لتحقيق أهدافها. كانت المليونية الأولى يوم جمعة الغضب 28 يناير التي حولت الانتفاضة التي بدأها شباب مصر إلى ثورة حقيقية شارك فيها الشعب المصري بكافة فئاته. ثم توالت التظاهرات المليونية بعد ذلك حيث جاءت المليونية الثانية يوم الثلاثاء الأول من فبراير والتي كانت بمثابة التأكيد على استمرار الشعب في ثورته رغم كل محاولات النظام السابق للتأكيد على أن هذه التظاهرات تقودها فئة محدودة غير مؤثرة من أجل القضاء على الزخم المتصاعد لها. ثم توالت التظاهرات المليونية لتكون بمعدل ثلاث مرات كل أسبوع حتى يوم 11 فبراير الذي شهد أكبر تظاهرة في مصر شارك فيها حوالي 20 مليون مواطن وهو ما دفع المؤسسة العسكرية للضغط على الرئيس المخلوع لإعلان تنحيه. بعد ذلك بدأت المليونيات الأسبوعية من أجل الضغط على المجلس العسكري لتحقيق باقي أهداف الثورة المتمثلة في تطهير البلاد من فلول النظام ومحاكمة رموزه وهو ما تحقق بعضه من خلال تحويل الرئيس المخلوع ورجاله إلى المحاكمة. كما تم تسريع محاكمات قتلة الثوار وكذلك المتهمون في الفساد المالي والإداري حيث صدرت ضدهم أحكام متتالية. بعد ذلك تحولت التظاهرات المليونية من وسيلة لتحقيق أهداف الثورة إلى وسيلة لتحقيق أهداف قوى سياسية بعينها، كانت ترى أن الأحداث تجاوزتها ولم يعد لها دور مهم في العملية السياسية التي بدأت بالاستفتاء على التعديلات الدستورية، حيث وجدت أن التيار الإسلامي أصبح هو المسيطر على تلك العملية وكذلك على الميدان نفسه في حال إذا دعت الضرورة إلى النزول إليه لرفض قرارات المجلس الأعلى للقوات المسلحة أو لتسجيل موقف تجاه قضية ما، كما حدث في التظاهرة المليونية التي جرت يوم 18 نوفمبر 2011 لإعلان رفض المبادئ فوق الدستورية التي أعلن عنها نائب رئيس الوزراء وقتها الدكتور علي السلمي. وفي بعض الأحيان كانت تنتهي تظاهرات مليونية تدعو لها القوى التي تسمي نفسها بالتيار المدني بمشاهد دموية يسقط فيها قتلى وجرحى كما هو الحال في أحداث شارع محمد محمود ومجلس الوزراء. كانت تلك القوى تدعو الشعب المصري إلى المشاركة بقوة في تلك التظاهرات بحجة الضغط لتحقيق أهداف الثورة وأهمها إسقاط بقايا النظام وتسريع المحاكمات وتحقيق العدالة الاجتماعية وكرامة الوطن والمواطن. لكن رغم ذلك لم نشهدها تدعو إلى تلك التظاهرات حينما أهينت كرامة الوطن في قضية مؤسسات المجتمع المدني التي تم توجيه الاتهام فيها لـ 19 أمريكيا إضافة إلى عدد من المصريين، سواء في بداية الإعلان عن القضية لتأييد تحويلهم إلى محاكمة عاجلة أو حينما تم التدخل في شؤون القضاء وإلغاء قرار سفرهم بشكل مهين لكرامة الدولة المصرية. بل وجدنا أكثر من ذلك، أن هذه القوى أعلنت عن ارتياحها لسفر الأمريكيين لأن ذلك يؤكد أن القضية منذ البداية غير حقيقية وهو ما يعني أن الاتهامات التي تم توجيهها لهؤلاء الأمريكيين وكذلك للمصريين الذي ينتمون لهذه القوى، غير حقيقية. لقد أظهرت تلك القضية أن الجزء الأكبر من هذه القوى التي تستقوي بالمال والنفوذ الأجنبي لا تهمها كرامة الوطن أو المواطن كما لا يهمها بناء دولة قوية تقوم على مقومات الحداثة والديمقراطية لأن ذلك سيؤدي بالضرورة إلى توقف الدعم الذي تتلقاه من الخارج.