12 سبتمبر 2025
تسجيلتشير كافة الدلائل الى ان الاتحاد الخليجي سوف يعلن عن قيامه في القمة التشاورية لقادة دول مجلس التعاون في شهر مايو القادم، مما سيشكل نقلة نوعية مهمة في العمل الخليجي المشترك ونموذجا للتعاون الاقليمي، وبالاخص للبلدان العربية. ومع ان العديد من المحللين تناول آفاق هذا الاتحاد، الا ان القاء نظرة اكثر موضوعية ربما تتيح تقييم هذه الخطوة بالاستناد الى تجربة التعاون والتي استمرت اكثر من ثلاثة عقود تخللتها مراحل من التفاؤل احيانا وفترات اخرى من الحذر والترقب، الا ان محصلتها النهائية كانت ايجابية بشكل عام وقادت الى الانتقال لمرحلة اكثر تقدما وتكاملا بين دول المجلس. لذلك، فان الاتحاد المزمع اعلانه سوف لن يختلف في بداية عمله كثيرا عن مرحلة التعاون، الا ان وجوده سوف يساهم في حلحلة العديد من قضايا التعاون المعلقة، فالتبادل التجاري وفق تصريحات الامين العام لغرف التجارة الخليجي لا زال يعاني من معوقات وعراقيل عديد رغم وجود الاتحاد الجمركي، اما السوق الخليجية المشتركة وبعد مرور خمس سنوات تقريبا اعلانها، فانها لم تستكمل حتى الان، وذلك ناهيك عن الاتحاد النقدي. من الناحية المبدئية حققت دول مجلس التعاون الخليجي تجربة تنموية ناجحة وتعتبر نموذجا لبلدان منطقة الشرق الاوسط والكثير من بلدان العالم، مما يعني ضرورة المحافظة على هذه التجربة وتطويرها من خلال العمل الجماعي الذي تتطلبه المرحلة القادمة وما يصاحبها من تغيرات اقليمية وعالمية اوجدت تحديات خطيرة. لذلك من المهم الاشارة الى اننا في دول المجلس لسنا بحاجة لاستيراد تجارب جاهزة من الخارج، اذ لدينا تجربتنا الخاصة، مع حرصنا على الاستفادة من التجارب العالمية الناجحة، كتجربة سنغافورة وكوريا الجنوبية وبعض تجارب البلدان الصاعدة، كتركيا والبرازيل. وفي سبيل تطوير هذه التجربة، فانه لا بد من تجاوز مرحلة التعاون والانتقال لمرحلة الاتحاد مع الاستفادة القصوى من تجربة الاتحاد الاوروبي الغنية، وبالاخص كيفية التعامل مع تفاوت المواقف بين الدول الاعضاء والتوافق بين السيادة الوطنية والاتفاقيات الاتحادية الملزمة، وهذه مسألة لم تستطع دول المجلس التعامل معها بنجاح خلال الفترة الماضية بسبب بعض المخاوف وغياب الدراسات التي يمكن من خلالها تقييم هذه المخاوف بصورة صحيحة من قبل كافة دول المجلس والتعامل معها من خلال التأكيد على العمل الجماعي المشترك والحد من تأثيراتها على عرقلة تنفيذ القرارات المتفق عليها. وبالاشارة الى تجربة الاتحاد الاوروبي، فانه باقرار اتفاقية الالتزامات المالية الاسبوع الماضي تكون المجموعة الاوروبية قد استكملت تقريبا وحدتها الاقتصادية واستفادت الى اقصى حد من ازمة الديون والصعوبات التي واجهتها عملتها الموحدة اليورو مؤخرا، كما جرى التناوب على رئاسة البنك المركزي وتجرى التحضيرات لتعيين وزير مالية اتحادي. اما في المجال السياسي، فان وجود وزيرا اوروبيا اتحاديا للخارجية لم يقلل ابدا من دور وزراء الخارجية الاروروبيون وانما ادى الى زيادة التنسيق وتوحيد المواقف بينهما، وهو ما كان له دور فعال في تنفيذ السياسات الاوروبية في لمحافل الدولية. وحقيقة، فقد راينا مؤخرا تنسيقا مشابها على المستوى الخليجي والذي حقق بدوه مكاسب مهمة لدول المجلس، وبالاخص التعامل مع احداث المنطقة العربية، اذ يمكن اعتبار ذلك مقدمة مهمة لوجود تناوب بين دول المجلس لوزير المالية ومحافظ المصرف المركزي ووزير خارجية خليجي يتحدث باسم دول المجلس، بحيث يقوم هؤلأ جميعا بتنسيق السياسات وتطبيق القرارات المتخذة في ظل الاتحاد القادم. وفي هذا الصدد يمكن الاشارة الى ناحية ايجابية تكمن في تشابه السياسات المالية في دول المجلس الى حد التطابق بين الدول الست، وهذه مسألة مهمة يفتقدها الاتحاد الاوروبي بسبب التفاوت الشاسع بين بلدانه في هذا الشأن، مما سيسهل كثيرا من توحيد السياسات المالية الخليجية واصدار العملة الموحدة متى ما اتفقت دول المجلس على وذللت الصعوبات القائمة بكافة اوجهها. والحال، فان امام الاتحاد الخليجي مشاور طويل ستتخله بعض الصعوبات، الا ان محصلته النهائية ستكون ايجابية كذلك ومفيدا للحفاظ على أمن دول المجلس وسيحقق مكاسب كبيرة لشعوبه، حاله في ذلك حال مرحلة التعاون والتي رغم بطىء مسيرتها، الا انها حققت العديد من الاهداف المشتركة. لذلك، فان العقلانية تدعو الى التفاؤل في حدوده الموضوعية التي تراعي التفاوتات الموجودة، مع التقليل من الحذر السابق والذي كان سائدا في مرحلة التعاون، فالوقائع والمستجدات الاقليمية والعالمية سوف تدفع دول الاتحاد الخليجي نحو المزيد من التكامل في كافة المجالات، خصوصا وان هناك تناقما غير مسبوق بين القوى الثلاث الفاعلة في الاتحاد الخليجي والدعومة من بقية الاعضاء.