13 سبتمبر 2025

تسجيل

الصفعة الأخيرة

10 مارس 2011

أصبحت الأوضاع في العالم العربي ككرة ملتهبة من النار.. تزداد اشتعالاً وتوهجاً شيئاً فشيئاً مع ازدياد حدة الصراع بين الشعوب وحكامها وارتفاع مطالب الناس بدءاً بارتفاع الأجور والرواتب وانتهاءً بسقوط نظام أو رحيل رئيس أو محاكمة الحكومة بأسرها وذلك مع تتابع الثورات في العالم العربي بدءاً من تونس ثم مصر.. والآن في ليبيا واليمن والجزائر والعراق وعمان والبحرين وغيرها التي بدأت فيها المطالب على استحياء تام، هذا التشبيه للوضع العربي الراهن بوصفه كالبركان الثائر كان يقابله في السابق وصف آخر على النقيض.. جبل من الجليد، أو كقطعة ثلج لا يكاد الشارع العربي فيها يتأثر بما يجري من أحداث حوله، حيث أصيب الناس بشيء من الجمود والخمول وتبلد الإحساس وتجمد المشاعر تجاه ما يجري من أحداث جسام على صعيد الأحداث السياسية الساخنة التي حدثت في محيط العالم العربي والإسلامي ولكنه لم يتفاعل معها كما ينبغي له أن يتفاعل كما حدث في حرب أفغانستان أو العراق.. ولعل السبب الجوهري في ذلك هو أن تلك الحروب شنتها الولايات المتحدة الأمريكية.. التي تمثل خطاً أحمراً لدى العديد من الدول العربية والإسلامية بل والدولية التي لا تتجرأ أن تقول " لا " لأمريكا أو حتى أن تترك شعوبها تعبّر عن غضبها ومعارضتها لسياسة أمريكا في المنطقة، فهي التي نراها نادت بشكل سريع بضرورة احترام حق الشعب في تقرير مصيره في تونس بينما نادت بذلك بشكل أبطأ في مصر وبشكل " سلحفائي " في ليبيا وهكذا دواليك، في حين أنها لم تلتفت لحق الشعب في تقرير مصيره في أفغانستان أو العراق إلا بعد أن استنزفتهما واستباحت دم الشعبين فيهما.. ناهيك عن سكوتها المطبق تجاه ما يجري من قتل وتشريد للشعب الفلسطيني على يد حليفتها إسرائيل. إن الرجوع إلى أمريكا دائماً في الأحداث الكبرى ومعرفة رأيها أو رأي البيت الأبيض تحديداً فيما يجري هنا أو هناك إنما يعكس الهيمنة الأمريكية على كل صغيرة وكبيرة تجري في العالم، فأينما وقعت ثورة أو مظاهرة.. تداعت وسائل الإعلام والصحفيون والمراسلون لنقل المؤتمرات الصحفية أو البيانات والكلمات الخطابية التي تخرج من البيت الأبيض في هذا الشأن أو ذاك، الأمر الذي يُرضي غرور الولايات المتحدة الأمريكية في سيادتها التامة على العالم بأسره في تصديقٍ للعبارة القائلة بأن أمريكا هي بمثابة " شرطي العالم ". فوجئت كثيراً بذلك الاهتمام الذي أعطته قناة عربية معروفة - كثيراً ما تهم بالمسلسلات والأغاني أكثر من اشتغالها بالأخبار والسياسة - فوجئت بتلك القناة تخصص حلقة من حلقات إحدى برامجها "النسائية" للقاء وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون وذلك وسط حضور مكثف من شيوخ ووزراء وإعلاميين ومفكرين ومثقفين بالإضافة إلى مجموعة المذيعات اللاتي تسابقن إلى سؤالها عن آرائها الشخصية أو الرسمية عما يجري من أحداث ووقائع في عالمنا العربي في تسابق منهن أيّهن تتكلم الإنجليزية بطلاقة أكثر !! في حين أنها – أي وزيرة الخارجية - جلست تجيب عن كل صغيرة وكبيرة وكأن لديها لكل سؤال جواب.. الأمر الذي لم أستغربه لكونها وزيرة خارجية وينبغي لها أن تعرف شيئاً عن كل شيء.. ولكن الغريب أن كل أولئك الجمع لم ينبسوا ببنت شفة ولم يعترضوا على أي من إجاباتها، حيث تكلمت عن عملية السلام وعلّقت على المشروع الاستيطاني في فلسطين ثم تحدث عن الوضع في السودان وأبدت سعادتها عن انقسام الجنوب عن الشمال وأن الناس في الجنوب يجب أن يحصلوا على حريتهم وسيادتهم واستقلال أراضيهم وغيرها الكثير من القضايا التي ينبغي على الحضور أن يصبحوا فيها مناظرين لا مؤيدين لسياسية الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة أو في العالم العربي عموماً، حيث لم يقاطعها أحد أو يناقشها أحد أو حتى يسألها أحد من الجمهور.. لأن الأسئلة لابد أن تمر على الرقابة قطعاً، وأزعم أنها خرجت من تلك القاعة أو من ذلك البرنامج الذي خصصت له القناة مسرحاً ضخماً.. أزعم بأنها خرجت بالكثير من المدح والإطراء على تألقها وطلاقة لسانها وجمال منظرها وأناقة فستانها.. وبالكثير من الأوتوغرافات " التواقيع " والصور التذكارية مع المعجبين والمعجبات، وأزعم في المقابل بأن الوزيرة الأمريكية لو ظهرت على التلفزيون الإسرائيلي في برنامج جماهيري مشابة لهذا البرنامج.. أزعم بأنها ستواجه بالعديد من الأسئلة العشوائية وبالمداخلات والمقاطعات أو ربما بالاعتراضات والاستهجانات.. مع الأخذ بعين الاعتبار أن مواقف الضيفة ودولتها غير مرحب بها لدى الجمهور الأول.. بينما مواقف ذات الضيفة ودولتها مرحب بها لدى الجمهور الثاني. إن الولايات المتحدة الأمريكية لاتزال تتعامل مع العالم العربي بقطيعة تامة مع الشعوب وبحميمية نادرة مع الحكام، فهي منبوذة عند الشعوب محبوبة عند الحكام، وعلى الرغم من معرفتها لكره الشعوب العربية لها فإنها لا تقلق كثيراً من ذلك لأنها تضمن أن الحكام يقفون بالمرصاد تجاه من يعلن تأففه أو اعتراضه على سياساتها، أو الخروج في مظاهرات معادية لها، تماماً كما حدث في حربها على أفغانستان والعراق، بينما هي الآن تتخلص من بعض قدامى أصدقائها من الحكام العرب لترحّب بآخرين جدد، أو ترحّب بمطالب الشعوب طالما أنها خرجت في وجه حكامها لا في وجهها هي. إن السياسة وكما يقال ليس بها " صديق دائم أو عدو دائم " وهكذا الأيام تدور والأحداث تتغير، المهم أن ندير تلك الأحداث والوقائع فيما يتوافق مع مصالحنا وأهدافنا.. هذا ما تفعله أمريكا وغيرها من الدول الكبرى بينما يغفل عنه الكثير من الحكام العرب الذين ارتبطوا بعلاقة وطيدة مع أمريكا أو غيرها من الدول الأوروبية واتخذوهم أولياء من دون الله فأطاعوها وخضعوا لها بل وأعطوها من أموالهم وأرواح أبنائهم وشعوبهم الشيء الكثير، بينما لم تعطهم أمريكا في المقابل غير المزيد من الإهانات والتنازلات وما جرى في عملية السلام خير مثال على ذلك. ويشاء الله أن تكون نهاية أولئك الذين لم يعرفوا فن السياسة ولم يدرسوا التاريخ ولم يفهموا الواقع.. أن تكون نهايتهم على يد شعوبهم التي تكرههم بقدر كرهها لأعداء أمتها، ويشاء الله كذلك أن تكون الدول التي خضعوا لها طيلة مدة حكمهم واستعمرت عقولهم وأفكارهم.. هي أولى الدول التي تخلّت وتنازلت عنهم، ففرنسا أول من طردت زين العابدين ولم تحبذ بقاؤه فيها وهي التي عبدها من دون الله، والولايات المتحدة الأمريكية لم تحبذ لجوء حسني مبارك لها وأيدت سقوطه وهي التي سخّر لها كل إمكانياته وطاقات بلده تماماً كما فعلت بشاه إيران عندما نبذته فعاش طريداً حتى مات شر ميتة، وهاهي إيطاليا تعلن تبرأها من معمر القذافي وتؤيد مطالب الشعب الليبي وتناديه بالتنحي عن منصبه وهو الذي عاش صديقاً وخاضعاً لها وهو الذي يدّعي معاداتها ومعاداة الاستعمار كاذباً، وهكذا هم الأغبياء دائماً الذين لا يريدون أن يفهموا الدرس جيداً فيكون مصيرهم الطرد من مدرسة الحياة.. وقبل ذلك.. يحظون بصفعة أخيرة "لاتُنسى" من أعدائهم أو.. أصدقاءهم السابقين.