09 أكتوبر 2025
تسجيلعالم الملتي ميديا استعصى على القانون وتحول إلى متوحش يصعب إخضاعه للتشريعات في فضاء الملتيميديا يظل البيت العربي بدون أبواببل بدون جدران لا نندهش إذا هبت علينا الرياح من الشرق أو الغرب وتشريعاتنا نائمة نومة أهل الكهف على صحيفة (لوفيغارو) الباريسية يوم الجمعة 7 فبراير نشر أكبر منظر للرقميات أستاذ الاقتصاد (كريستيان سانتيتيان) بحثا بعنوان (المنافسة التكنولوجية هي معيار قوة الأمم)، مؤكداً أن معيار القوة كان الثروة الزراعية ثم الصناعية ثم العسكرية واليوم هو القوة الرقمية. فمنذ ظهور مصطلح (ملتي ميديا) عام 1980 على أيدي الأستاذين "سيمون نورا" و"ألن مينك" اللذين وضعا لمنظمة اليونسكو تقريرهما عام 1978 حول المجتمعات المعلوماتية وهذا المصطلح يكتسب تدريجيا أهمية بالغة، فالملتي ميديا أو وسائط الإعلام المتعددة وما نسميها اليوم وسائل الاتصال الاجتماعي هي كأجهزة الإعلام الأخرى حمالة رسالة ونقالة معلومة ومبلغة معرفة وبالتالي تؤدي دورها الكامل في توجيه الرأي العام وقيادة المجتمعات ونقل القيم وتبادل المعلومات والخبرات والتجارب وتكوين ردود الأفعال العامة إزاء الأحداث، ولكن الذي يفرق بين الملتي ميديا ورسائل الإعلام التقليدية كالإذاعة والتلفزيون والصحافة هو افتقاد الملتي ميديا قوانين منظمة لهذه الأداة الإعلامية القوية المتنامية، فقد ولد قانون الصحافة والنشر في كل دولة ليجاري ويقنن ويواكب الإذاعة والصحافة المكتوبة والتلفزيون وظل هذا القانون مرتبطا بهذه الأجهزة التقليدية يحاول حماية حقوق الناس من الاعتداء بالكلمة أو بالصورة على الأعراض والأديان والسياسات والأخلاق العامة وتختلف هذه القوانين من دولة لدولة حسب درجة ليبرالية مجتمعاتها لكنها تظل قوانين قابلة للتطبيق وقابلة للتطوير حسب تطور أدوات الإعلام. أما وسائط الاتصال الحديثة (الملتي ميديا) فهي لا تتطور فحسب بل "تتثور" "من أصل الفعل ثار يثور" وثورتها المستمرة المتسارعة تمنع المجتمعات ـ حتى المتقدمة ـ من أن تلاحقها وتواكبها بتشريعات ملائمة حتى قال الأستاذ "أ. لوكاس" أستاذ القانون بجامعة "نانتز" الفرنسية: "إن عالم الملتي ميديا استعصى على القانون وتحول إلى دغل متوحش لم يعد من الممكن إخضاعه لتشريعات..."، ففي فرنسا مثلا بدأت الوسائط الاتصالية تأخذ طريقها إلى عالم الإعلام والمصارف والشركات وإدارات الدولة منذ عام 1980 وحين وضعت الدولة الفرنسية قانون الاتصال في 29 يوليو 1982 عرج بند واحد من بنود القانون على الملتي ميديا حيث اخضع كل من يتعامل مع الكمبيوتر ويسجل برمجياته إلى مجرد التصريح بذلك بالموافقة المجردة دون تحديد الجهة التي يصرح لها بذلك وكيفية التصريح ومن له الحق أو القدرة على قبول أو رفض التصريح. لقد انطلق المشرع الفرنسي من أعمدة الحكمة القانونية أو من فلسفة القانون حين أكد أن مستعمل هذه الوسائط هو مواطن له كامل حرية التعبير والاتصال ونشر أفكاره في إطار القانون... أي اعتبر القانون مستعمل الوسائط ككاتب في صحيفة أو متحدث في إذاعة أو متكلم في تلفزيون، واخضعه إلى نفس معاييرهم في الامتناع عن نشر أفكار نازية متطرفة أو عنصرية أو مخلة بالأمن العام أو نشر صور خليعة يمكن أن تصل إلى أيدي الصغار والقصر وغير الراشدين ولا نجد في القانون أي إشارة أو تلميح إلى نسخ الأقراص بصورة غير مشروعة أو تشويه موقع من مواقع إنترنت ذي محتوى مخل بالأخلاق أو الأديان أو الأعراض أو الأمن العام. وهكذا بلغنا منذ أواسط التسعينيات إلى عام 2020 مرحلة البي سي P.C أو الكمبيوتر الشخصي وتوصيله بالأجندة الشخصية وبشبكة الإنترنت وبالهاتف النقال دون أن تتابع القوانين هذه الثورة العارمة الحقيقية. ففي الولايات المتحدة وهي متقدمة إلكترونيا وتشريعيا وقعت في شهر يناير الماضي مشكلة (بيل جيتز) وتقديم شركة (مايكروسوفت) للقضاء بتهمة (استيلاء على ملك الغير أي مواد رقمية تعود لشركة صينية) يرجع عهد القانون الذي أحيلت بمقتضاه الشركة عام 2019 إلى القانون الأمريكي التجاري لسبتمبر 1903 أي صادر منذ حوالي قرن وهو قانون مكافحة الاحتكار وبذلك عوملت شركة مايكروسوفت عام 2000 كما كانت تعامل مزارع الطماطم والبطاطس والذرة عام 1904 ومصانع التبغ عام 1943 وشركة فورد للسيارات عام 1955.... الخ وأمام الفراغ القانوني المذهل في أمريكا أصدر القاضي حكما مذهلا في أبريل 2000 يقضي بتقسيم (مايكروسوفت) إلى شركتين مما دعا صاحبها (بيل جيتز) إلى التعليق المازح بقوله: (كأنما القاضي يأمر بتقسيم شركة (ماكدونالدز) إلى شركتين: واحدة تبيع الهامبرجر والثانية تبيع الشيزبرجر). وإذا كان هذا حال فرنسا وأمريكا إزاء الهجمة الضارية للوسائط الاتصالية فما عسى يكون حالنا نحن العرب حين نصرح بأعلى أصواتنا بأننا نريد الحفاظ على قيمنا وديننا وأخلاقنا ثم نغمض عيوننا في نوع من أنواع اللامسؤولية والاستقالة... ما عدا الحرص على الأمن السياسي وهو أمن عابر ومتغير مختلف الثوابت. إن هذه قضية العرب كذلك، ففي فضاء الملتي ميديا يظل البيت العربي بدون أبواب بل بدون جدران، فيجب ألا نندهش غدا إذا هبت علينا الرياح العاتية من الشرق أو الغرب وتشريعاتنا نائمة نومة أهل الكهف!. [email protected]