20 سبتمبر 2025

تسجيل

أهمية المضائق المائية العربية

10 يناير 2024

لا ننسى الأهمية التي درسناها في المرحلة الابتدائية عن المضائق المائية العربية التي تحكم عملية عبور سفن العالم عندما كنا أطفالاً. فقد عرفنا منذ حقبة الستينيات من القرن الماضي أهمية تلك المضائق التي تضم مضيق هرمز الذي تشرف عليه السلطنة مع الجمهورية الاسلامية الإيرانية الصديقة، ومضيق باب المندب باليمن الشقيق، وممر قناة السويس التي تم افتتاحها في 18 نوفمبر عام 1869م، باعتبار أن جميع تلك المضائق قنوات بحرية مهمة للعمليات التجارية لنقل البضائع بين مختلف دول العالم. ولقد ازدادت أهميتها جميعا في العقود الماضية، إلا أن أهمية مضيق باب المندب ازدادت كثيراً خاصة بعدما تم فتح قناة السويس باعتبار أنها تقصّر مسافة الشحن بين دول العالم في الشرق والغرب، بجانب تقليل تكاليف النقل البحري فيما بينها. اليوم فان قرار اليمنيين الأشقاء بمنع مرور السفن التي تحمل شحنات الغذاء والأسلحة المنقولة عبور مضيق باب المندب إلى موانئ دولة الاحتلال قد أدى إلى قفز أجور الشحن البحري بنسبة 173% بل إلى أكثر من 200% بين الدول الواقعة في آسيا وأوروبا والأمريكيتين منذ أن بدأ سريانه في شهر نوفمبر الماضي، وذلك بمتابعة أية سفينة لا تعمل بتلك القرارات وتعمل من أجل تلبية طلبات إسرائيل. ولا شك فيه، فان هذا القرار قد أثر بشكل مباشر على الأسعار العالمية في عمليات الشحن وفق تقرير «Freightos.com» متعددة الجنسيات والمختصة في عمليات الشحن وصناعة النقل البحري. كما له تأثير سلبي على عمليات التأمين والتفريغ في الموانئ العالمية، وكذلك على السلع والمنتجات المصدرة والمستوردة في العالم. فالكثير من شركات الشحن البحري العالمية بدأت في توجيه أساطيلها البحرية للسير عبر رأس الرجاء الصالح أسفل جنوب أفريقيا، الأمر الذي أدى إلى زيادة عدد ساعات عبور السفن ما بين اسبوع إلى عشرين يوماً وفق موقع كل دولة. الأسعار الحالية الفورية للشحن البحري اليوم تبدو مرتفعة جداً، حيث بلغت قيمة نقل حاوية في حدود 40 إلى 4000 دولار، بل إلى اكثر من 5175 دولاراً، ثم إلى 6000 دولارمؤخراً مقابل 1900 دولار أمريكي في الأيام القليلة الماضية، وذلك لشحن حاوية من منطقة آسيا إلى شمال أوروبا. وقد دفع ذلك إلى قيام بعض شركات الشحن البحرية العالمية برفع تلك الأسعار تجنباً لأية هجمات من قبل اليمنيين المتضامنين مع أهالي قطاع غزة الصامدة التي تتلقى يوميا هجمات بربرية من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية بمساعدة دول أوروبية وأمريكا. ومن المتوقع أن تستمر هذه الأزمة إن لم تقم تلك الدول والمنظمات الدولية بمحاسبة إسرائيل على جرائمها المتعددة، ووقف الإبادة اليومية للشعب الفلسطيني وحل القضية الفلسطينية التي مضى عليها أكثر من 75 عاما. اليوم بدأت شعوب العالم تعرف أهمية هذه المضائق البحرية العربية وأولها مضيق باب المندب الذي يعد طريقاً بحرياً سريعاً يربط البحر الأبيض المتوسط ببحر العرب والمحيط الهندي وقارة أوروبا بآسيا، الذي بدأت تصل تأثيراته السلبية على ممر «قناة السويس» الذي يعبّر من خلالها أكثر 20 ألف سفينة سنويا، الذي يمثّل مصدراً ماليا مهماً لمصر الشقيقة. إن قضية وقف الحرب الشرسة على قطاع غزة الصامدة لا تحتاج إلى تشكيل قوة عمل مثلما أعلن عن ذلك مؤخراً من قبل وزير الدفاع الامريكي، لكنها تحتاج إلى قرار أممي بوقف الحرب الدائرة على غزة لتعود حركة السفن إلى ما كانت عليه دون الدخول في مواجهات وهجمات في البحر الأحمر. فالمقاومة في عدة دول عربية تقف اليوم صامدة للدفاع عن غزة والدخول في معترك هذه الحرب، بينما الخاسر الأكبر منها ستكون دولة الاحتلال التي لم تحقق أي هدف منذ أن بدأت هجماتها الجوية القاسية على الأبرياء والعزل من النساء والأطفال بقطاع غزة والضفة الغربية والأراضي اللبنانية. فدولة الاحتلال تعتمد بصورة كبيرة على مرور سفنها عبر باب المندب، حيث تمر 98% من تجارتها الخارجية عبر كل من البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، فيما تساهم التجارة عبر البحر الأحمر بنحو 34.6% في اقتصاد دولة الاحتلال بيانات وزارة المالية. إن تعليق السفن العالمية لخططها لعبور البحر الأحمر يكلّف العالم كثيراً أن لم تتوقف هذه الحرب البربرية التي فاق فيها القتل والدمار عن أية حروب حديثة في العالم، ليصفها الكثير من المتابعين بأنها نوع جديد من «الهولوكست» الحديث الذي يمارس فيه أبشع طرق القتل والفتك بالأبرياء. وإن الحرب على عزة الصامدة عرّفتنا اليوم أهمية هذه الممرات المائية العربية التي تشكّل مصدر دخل للدول إن تم استغلالها بصورة حكيمة. فهذه المضائق تقع في دولنا العربية، ولكن القوانين العالمية تحتّم علينا أن نعتبرها مضائق عالمية مفتوحة ويتم تطبيق قوانينها على الأضعف في العالم، ولذا فقدنا الكثير من مواردنا المالية من تلك المقومات التي حباها الله لنا لنستفيد منها في حياتنا.