16 سبتمبر 2025
تسجيللا شك بعض الفلاسفة في أوروبا من أصل يهودي، تعاطفوا مع الفكرة الصهيونية، عند ظهورها، وكانوا سنداً فكرياً وعاطفياً، في طرح الكثير من الأفكار التي تناصرهم ولو بشكل خفي، وطرحت العديد من النظريات التي أشغلت العالم الآن، خاصة فكر الصراع والإقصاء ونبذ الآخر، وهي كلها عوامل وردات فعل لما لقيه اليهود من معاناة في بعض الدول الأوروبية خاصة المحارق التي وضعت من لهم من قبل هتلر، وقد ساعدهم في فكرة الوطن القومي، أن الكثير من الفلاسفة، كانوا بارزين في الغرب، لهم العديد من النظريات الفلسفية التي تحرص أن تضع الحق اليهودي الموعود في الكثير من الأفكار والدراسات، لاسيَّما حق إسرائيل في وطن قومي لهم، ولو كان هذا الوطن لشعب آخر.. وهذه التحيزات، تفسر أنها إعطاء لأمم واجهت مظالم وإقصاء عبر تاريخهم، وهذا الإقصاء، لم يكن من العرب والمسلمين، بل حصل في أوروبا وفي العديد من الدول، وأبرز هذه المظالم كما تسمى قضية المحارق النازية لليهود، لكنهم في ظل المسلمين، فقد عاشوا في ديارهم، يتمتعون بكافة حقوقهم الإنسانية، ممارسة عشائرهم الدينية، في معابدهم في مصر والعراق واليمن وفلسطين والمغرب، وغيرها من الدول الإسلامية أيضا، لكن بدلا من تقدير هذا الموقف، فقد احتلوا فلسطين من خلال وعد بلفور ربما للتخلص منهم في الغرب، ومن خلال متآمر بعض الدول الكبرى، لإقامة وطناّ لهم على حساب شعب فلسطين، الذي طرد من أرضه، وانتهكت حقوقه، ومازال يعيش الشتات بالملايين.ويروي د/ عبد الوهاب المسيري، قصة تثير العجب تجاه إشكالية التحيز لإسرائيل في المؤسسات الأكاديمية الأمريكية، التي يفترض فيها التجرد المنهجي في البحوث والدراسات، كما نسمع كثيراً للأسف، فيقول:»عندما كنت في جامعة الملك سعود [ قسم اللغة الإنجليزية وآدابها ] تقدم أحد الأساتذة بأبحاثه للترقية. وكان عدد منها يدور حول صورة الإنسان العربي في بعض الروايات الأمريكية اليهودية، ذات التوجه الصهيوني الصريح (أي التي يعلن كتابها صراحة عن ولائهم للعقيدة الصهيونية). وقررت الجامعة، إيماناً منها بالموضوعية والعلمية أن ترسل بالأبحاث لعلماء عرب وغير عرب لتقييمها. وكان رد المحكم الأمريكي مدهشاً إلى أقصى درجة، فقد أعاد كل الأبحاث مبيناً في خطابه أن الصهيونية إن هي إلا بز ورد Buzz word أي أنها تصدر طنيناً، ولكنها لا معنى لها. وهذه هي طريقته الأمريكية في أن يقول لا يوجد شيء اسمه صهيونية. وإن كان أطفال الانتفاضة (ممن فقدوا عيونهم أو أيديهم أو ذويهم) سيجدون صعوبة بالغة في تقبلها، فجراحهم لا تزال نازفة، والجراح لا تصدر طنيناً لا معنى له. فالقدس تمثل ليس فقط قطعة أرض عربية محتلة، بل ذاكرة أمة وتاريخ شعب منذ أقدم العصور دينياً ووجدانياً ولا تزال». صحيح أن إسرائيل عملت بعد احتلالها في 1967 على تزييف تاريخ هذه المدينة العربية المقدسة، حيث أقامت المستوطنات، وغيرت البنية الديموغرافية للسكان، وقامت بإزالة المعالم التاريخية التي تعطي المدينة العربية هويتها، والهدف من ذلك هو العمل على جعل مدينة القدس يهودية خالصة، بسكانها وتراثها وعمارتها وإداراتها وهي سائرة في ذلك إلى هذه اللحظات!كما أبدت عدة مؤسسات إسرائيلية استعدادها للانتقال إلى القدس العربية لممارسة نشاطاتها، من بينها منظمة هداسا الطبية والجامعة العبرية. وانتموا كما يقول د/ رفعت السيد أحمد ـ «إلى الإطار الكنعاني حوالي 2500 قبل الميلاد أو يزيد، واحتلوا التلال المرتفعة للمدينة المقدسة مع سواهم من القبائل الكنعانية، وشيّدوا على أكمتها الجنوبية أو ما أسموه الصهاينة فيما بعد «بجبل صهيون» برجاً لحمايتها والدفاع عنها ضد العبرانيين، وغيرهم من القبائل المغيرة حينئذ بزعامة مليكهم «سالم اليبوسي» الذي زاد في بنيانها وأقام تحصيناتها. وعندما زحف عليها اليهود إثر خروجهم من مصر في عهد رمسيس الثاني واحتلوها وأشعلوا فيها النيران ـ كما تقول الروايات التاريخية ـ كان سكانها ومعظم القرى المجاورة لها من أصل كنعاني، وكانت اللغة السائدة الأصلية هي الكنعانية وإلى جوارها «البابلية» وتوالى على القدس الغزاة، من الرومان إلى الفرس، حتى جاء الفتح الإسلامي، والذي كان وليداً لاعتبارات متعددة دينية، وإستراتيجية، وتاريخية. وتم الفتح في عهد الخليفة عمر بن الخطاب الذي قدم وثيقة الأمان الشهيرة لبطريرك النصارى، الذي أعطى فيها عمر لأهل القدس عهداً وأماناً لأنفسهم، وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم.. إلخ، وهذه الحقائق التاريخية هي التي يجب أن يتوافق مع الواقعية والعقلانية، وتعمل على فضح التزييف والتحريف، لكن هذا لم يحدث، بل إننا نرى التحيز الواضح مع أباطيل إسرائيل وعدوانها. وهكذا لا نرى مصطلحات، العقلانية، والواقعية، والموضوعية كلمات لا معنى لها إذا ما أراد أصحابها أن يتنكروا لها، لكنها عند بعض أبناء أمتنا حتميات لا يمكن التنازل عنها، حتى في أقوى القضايا المصيرية».! فالتنازلات تعتبر عقلانية، ورفع المقاطعة واقعية، والتمسك بالحقوق التاريخية، أفكار بالية غير موضوعية وهكذا.. أليس اتصال أحدهم بمجلس إدارة «والت ديزني» قبل سنوات بأن حديث المقاطعة مجرد زوبعة فنجان، كعادتنا نحن العرب تأتي هذه المواقف ضمن ترسيخ مفهوم العقلانية عند أبناء جلدتنا، وهم لا يتورعون عن اغتيالها؟!