11 أكتوبر 2025
تسجيلطالما كانت قطرات الماء المنسابة من السماء مصدر فرح وسرور لنا، نتلقفها بأفواهنا ونغني لها طق المطر على قطر طق، فالقطرات السماوية المنعشة التي ننتظر سقوطها بشغف، لتغير وجه الأرض الكالح وتكسر من حدة سياط الشمس اللاسعة على وجوهنا، وتثير جواً من المرح من حولنا. وما أكبر سعادتنا عندما تصاحب قطرات المطر حبات من البردي التي نلتقطها من الأرض بأيدينا ونعبث بها قبل أن تتسلل من بين أصابعنا وتجري مثل الجداول لتغمر طفولتنا بسرور لا يوصف كحلم جميل.فالمطر على الدوام كان سبباً لحبور العرب وسعادتهم رغم أنه قد يأتي رحيماً بهم حيناً وقد ينقض عليهم من السماء بلا رحمة حيناً آخر فيحيل كل ما يقف أمامه إلى خراب يباب.وينتظر ساكنو الصحراء من البدو المطر انتظار الحبيب لمحبوبه على أمل أن يقلب محل الصحراء وجدبها إلى خصب وربيع، ويشاركهم هذه اللهفة سكان الريف من المزارعين الذين ينتظرون المطر ليروي بيادرهم وينضج محاصيلهم.وقد حفل التراث العربي بأشعار وأمثال وقصص وحكايات وتعابير وتسميات وأوصاف لا حصر لها للمطر، فشبهوه تارةً بالمرأة الجميلة والطفل الوديع وتارةً أخرى بالحيوان المفترس والنار المهلكة،وأطلقوا تسميات على المطر في كل حالاته الخفيف منه والشديد، وحسب كمياته وشدته، وأوان هطوله فالمطر أول نزوله أسموه الرش والطش، وعندما تكون قطراته صغيرة ناعمة أسموه الرذاذ، والمطر الضعيف الصغير القطرات الطل، كما أطلقوا على المطر الذي يدوم أياماً في سكون دون برق أو رعد الديم ومفردها ديمة، كما أطلقوا على المطر كذلك المزن ومفردها مزنة، وبعدما يشتد الرذاذ فيتحول إلى نضح وبغث ورك ورهمة، وعندما يزداد المطر ويهطل غزيراً يتحول إلى هطل وهتان، ويطلق على المطر الذي يأتي عند الحاجة إليه الغيث، والمطر الذي يحيي الأرض بعد موتها يسميه العرب الحيا، والمطر الكثير يسمونه العباب، كما يسمي العرب المطر الضَّخم القطر الشَّديد الوقع الوابِل والصَّنْدِيْد والجَوْد الوَدْق، كما يُسمى حب الثلج المتساقط البرَد، كذلك يسمى المطر المستمر بعد فترة أمطار طويلة الولي، ويطلق على المطر في بداية موسم الأمطار في الخريف الوسمي أي الذي يسم الأرض بالنبات، ويطلق على الأمطار البواكر العِهَادُ واحدها عَهْدٌ وعَهْدَةٌ والرِّهْـمَـةُ هي المطر الضعيف، وجمعها رِهَام، ويسمى المطر الضعيف كذلك الذهاب، والمطر القوي غيبة وجمعه غيبات، والبوقة الدفعة من المطر، أما الدفعة الشديدة منه فتسمى الشؤبوب، أما مطر الصيف العظيم والشديد الوقع فيسمى الحميم.ولعل من شدة حب العرب للمطر أن أطلقوا على أبنائهم وبناتهم أسماءً من أسماء المطر مثل مطر وغيث وديمة ومزنة وهتان ورهام.وقد أبدع الشعراء العرب منذ أيام الجاهلية في وصف حبات المطر وهي ماتزال في رحم السحاب تذروه الرياح وتلحقه وتحمله، كما وصفوا البرق المشتعل في أرجائه والرعد المجلجل في أنحائه، وأماكن هطوله وآثار هذا الهطول على الحياة بأنواعها، ويعد امرؤ القيس من أفضل من وصف المطر وأطنب في وصفه حيث قال:أحار ترى برقاً كأن وميضه كلمع اليدين في حبى مكلليضيء سناه أو مصابيح راهب أهان السليط في الذبال المفتلقعدت له وصحبتي بين ضارج وبين العذيب بعد ما متأملوأضحى يسح الماء من كل فيقة يكب على الأذقان دوح الكنهبلوتيماء لم يترك بها جذع نخلة ولا أطماً إلا مشيداً بجندلكما تغنى الشاعر عبدالرحمن القاضي بالمطر مبدياً إعجابه بإعجاز الخالق فقال:كن يا أخي إلى السحاب ناظراً كيف غدا سيلاً يسيل طائراًأرسله لنا الإله رحمة فهل شكرت للإله النعمةرفقا بنا أنزله قطاراً فبعضه صيره أنهاراًوبعضه يمتصه الثرى كي لا يعيق سير الورىولعل من أشهر القصائد التي تغنت بالمطر في الشعر العربي الحديث أنشودة المطر للشاعر بدر شاكر السياب التي قال في مطلعها:كأن أقواس السحاب تشرب الغيوموقطرة فقطرة تذوب في المطروكركر الأطفال في عرائش الكرومودغدغت صمت العصافير على الشجرأنشودة المطرمطر.. مطر.. مطر.. مطرتثاءب المساء والغيوم ما تزالتسحُّ ما تسحّ من دموعها الثقالْ.