11 سبتمبر 2025
تسجيلأزعجني ما تعرضت له كنيسة الإسكندرية في منتصف ليلة الجمعة قبل الماضية. أبكاني دفع فيض الدموع إلى عيني. سكب جروحا داخل الروح. هل تستحق المحروسة من نفر من بنيها كل هذا الدم والقتل المجاني ولحساب خصومها والمتربصين بناسها وترابها وحيوية دورها وبقائها موحدة منذ آلاف الأعوام رغم كل محاولات المحو والإقصاء لجغرافيتها وتاريخها عبر سلسلة من الغزوات المتكررة - بدءا من الهكسوس وصولا إلى الاحتلال الصهيوني لسيناء في يونيو من العام 1967 – والتي لم تنجح في طمس هوية الشعب المصري إن لم تسهم في تعميق صلابته وتماسكه حتى هذه اللحظة لم يتم الكشف عن المستور فيما جرى من وقائع ليلة لدم بالإسكندرية لكن الإشارات واضحة بل يبدو أن ثمة إجماعا بين مختلف النخب السياسية سواء من أهل الحكم والموالاة أو من أهل المعارضة بما في ذلك التيارات الدينية بأن قوى خارجية وراء هذه الوقائع دون أن يحدد طرف بعينه طبيعة هذه القوى وما إذا كانت تنتمي إلى تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين والذي وجه تهديدات سافرة قبل نحو شهرين بضرب كنائس مصرية أو كان يقصد بهذه القوى الاستخبارات الصهيونية في ظل شهادة أدلى بها مسؤول سابق بها عن نجاح أجهزته في إثارة الفتنة الطائفية في المحروسة بين مسلميها ومسيحييها ضمن سياق الحرب المستترة المستمرة من قبل الكيان الصهيوني ضد مصر والتي ينظر إليها بحسبانها الخطر الأساسي لوجوده الأمر الذي يدفعه دوما إلى محاولة إضعافها من الداخل دعونا ننتظر ما تسفر عنه تحقيقات الأجهزة الأمنية المصرية بكل مستوياتها والتي تعاملت مع ليلة الدم في الإسكندرية بقدر كبير من الجدية باعتباره يدخل في إطار السعي إلى إعادة المحروسة إلى مربع الإرهاب والعنف الذي ساد في حقبة التسعينيات ونجحت في إجهاضه وتقويض أهدافه الشريرة خاصة مع تراجع التنظيمات التي كانت وراء هذه الأحداث عن السياقات الفكرية التي شكلت أرضية أيديولوجية وفرت مشروعية لعمليات القتل ضد المدنيين سواء من مواطني المحروسة أو سياحها ولا أخفيكم أن مشهد الدماء في الإسكندرية أعاد إلى ذاكرتي أحداث الهجوم على الدير البحري بالأقصر في العام 1997 والذي راح ضحيته عشرات السياح الأجانب والذي كانت نتيجة منطقية لحالة الاسترخاء الأمني التي كانت سائدة خاصة فيما يتعلق بتأمين المواقع الأثرية والسياحية وأظن - وهنا دعوني أتحدث بصراحة ليس من منطلق الانتقاد وإنما من مقام التحذير والتنبيه والتوقف عند العبر - أن ثمة استرخاء نسبيا حدث فيما يتعلق بتوفير الحماية لبعض الكنائس ذات المكانة الخاصة وفي المناطق الحساسة فقد كان يتعين أن يتم التعامل مع تهديدات تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين أيا كانت القوى الخفية التي تقف وراءه لهذه الكنائس على محمل الجد بما يكفل تكثيف وسائل التأمين العلنية والمستترة حول هذه الكنائس وهو ما كان بمقدوره أن يقلص من حجم الخسائر ويقلل من الكلفة السياسية والاجتماعية التي ستدفعها المحروسة من جراء وقائع ليلة الدم في الإسكندرية ورغم ذلك أقول بموضوعية إن أجهزة الأمن المصرية بكل مستوياتها تعاملت بدرجة عالية من الاحتراف مع حادثة الكنيسة مما أدى إلى التسريع باحتواء تداعيات الليلة الكئيبة في تاريخ المحروسة والكشف عن طبيعتها ومكوناتها ونوعية التفجير فضلا عن الأهداف المقصودة منها خاصة مع التحرك العاجل للنائب العام المصري المستشار عبدالمجيد محمود إلى موقع الأحداث فضلا عن نفر من كبار المسؤولين بالدولة المصرية وفي هذا السياق فإن المرء يشير إلى أن الخطاب الذي ألقاه الرئيس حسني مبارك بعد الأحداث بساعات محدودة أفضى إلى مردود إيجابي ووجه رسائل مؤداها أن أعلى هرم السلطة في المحروسة غير راض عما جرى وأن الدولة المصرية بكل أجهزتها لن تقبل بأي تداعيات سلبية لهذا الحادث على معادلة الاستقرار في المحروسة والتي تقوم على احترام مبدأ المواطنة دون التفريق بين مسلم وقبطي وهو الهدف الإستراتيجي الذي كانت ترمي إليه ليلة الدم في الإسكندرية ضمن سياق يدخل في إعادة صياغة المنطقة مذهبيا وطائفيا وعرقيا بدأ في لبنان مرورا بالعراق والسودان وصولا إلى المحروسة الأبية على التمزق والتناحر القابضة دوما على جمر الوحدة بين مواطنيها الذين ترتوي أرواحهم قبل أبدانهم بنيل يمتد منذ آلاف الأعوام فصنع تركيبة مدهشة من المحبة والوئام بالرغم مما يبدو على السطح في بعض الأحيان من تباينات وتناقضات بل ودماء مثلما وقع مؤخرا بالإسكندرية وإذا كان ثمة احتقان قد تجلى في سلوكيات بعض الشباب المسيحي والذي سعى نفر منه إلى اقتحام المسجد المجاور لكنيسة الإسكندرية أو محاولة الاعتداء على سيارة شيخ الأزهر ومرافقيه وزير الأوقاف ومفتي الديار المصرية بعد قيامهم بواجب العزاء للبابا شنودة بالمقر البابوي وكذلك في الاحتجاجات العنيفة التي شهدتها بعض المناطق والكنائس والمدن في مصر فإن ذلك قد تم احتواؤه من قبل الأجهزة الأمنية والتي تركت هامشا للتعبير السلمي عن رفض ما جرى دون أن تسمح بالتجاوزات ولكن الشاهد أن هذه الواقعة بالذات أعادت الاعتبار لشعار وحدة الهلال والصليب والذي رفعته الثورة الوطنية المصرية في العام 1919 بقيادة سعد زغلول فتعالت الصيحات المشتركة بين مسلمين وأقباط رافعين المصحف والصليب في أنحاء عدة من المحروسة في تحد واضح للمتربصين لوحدة الوطن ومواطنيه وما لفت انتباهي هو مشاركة الأجيال الجديدة من طلاب مصر في هذه النوعية من الفعاليات وهنا يكمن عنصر الاطمئنان في أن هذه الأجيال ليست مقبلة على مرحلة من التخاصم الطائفي غير أن ثمة ما يمكن التحذير منه ويتمثل بالأساس في محاولة توظيف ما جرى على نحو يهدد سلامة الوطن وبوضوح أشير إلى نفر من الملثمين الذين هاجموا أكمنة أمنية في الطرق السريعة بالقاهرة وبعض الأقاليم وقتل بعض رجال الأمن بعد سرقة سلاحهم مما يجسد تطورا نوعيا من قبل بعض الجماعات التي قد- أقول قد- تنتمي إلى دوائر قبطية متطرفة في مقابل دوائر مسلمة متطرفة خاصة في ظل تقارير تتحدث عن تنظيمات مسلحة في الجانب القبطي بدت تجلياتها في محاولة اقتحام قسم شرطة العمرانية بمحافظة الجيزة الشهر الفائت أو في هؤلاء النفر من الشباب الذين يظهرون على نحو شديد التنظيم في بعض المواقع المسيحية والتحذير واجب لأن البعض يسعى إلى الاستقواء بالخارج والبعض أيضا يسعى إلى الحصول على أسلحة بشكل أو بآخر حسبما كشف عن ذلك المفكر الإسلامي الدكتور محمد سليم العوا والبعض أيضا يتحدث عن المسلمين باعتبارهم ضيوفا على المحروسة آن لهم أن يرحلوا صحيح أن مثل هذه التهويمات لا تمثل سياقا عاما داخل أقباط مصر لكن قد تفضي إلى بعض التجاوب معها في ظل ما جرى بالإسكندرية مؤخرا وما يمكن أن يجري مستقبلا السطر الأخير: أسافر عنك أمضى إليك تحتويني جداولك تكتبني كراسات شعرك أستعيد سيرتي الأولى في العشق والكتابة والمدى بعينيك فضاء لسطوري في الفجر إذ أقترب والصبح إذ تنفس قلبي ربابة وسكوني رحيل للبهجة المستعادة وأنت صبغة هناءاتي ورحيق لا ينفذ أبدا وحدائق حنطة وخضرة غابة