13 سبتمبر 2025

تسجيل

الزي الوطني

09 ديسمبر 2020

روى الإمام الذهبي في سيرة أبو مسلم الخراساني أنه قام إليه رجل وهو يخطب في الناس، وقد لبس ملابس سوداء (وكان السواد شعار الدولة العباسية) فقاطعه قائلاً: ما هذه الملابس التي عليك؟ فرد عليه أبو مسلم رداً سريعاً حازماً وقال على الفور: حدثني أبو الزبير عن جابر بن عبدالله "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء"، وهذه ثياب الهيبة وثياب الدولة، يا غلام اضرب عنقه!، هكذا في منتهى الحزم، وفي صرامة متناهية لا يكاد يتخيلها عقل!. وقد يختلف الناس بين مؤيد ومعارض لأبي مسلم في ردة فعله كون الرجل لم يفعل ما يستحق القتل، ولسنا هنا في معرض الحكم على شيء حدث قبل مئات السنين، ولكن ما نستطيع أن نتفق عليه جميعاً هو أن أبو مسلم الخراساني كان أحد أهم الأعمدة التي قامت عليها دولة الخلافة العباسية التي استمرت زهاء الستمائة سنة إن لم يكن أبو مسلم هو أهمها على الإطلاق. وكان هذا الداهية الجبار الذي دخل خراسان على ظهر حمار ثم عاد منها بعد تسع سنوات فقط بكتائب مثل الجبال فأسقط دولة وأقام مكانها أخرى، كان يعلم تمام العلم أهمية الانتماء للدولة وارتباط شعبها واعتزازه بها، وكذلك ارتباطها هي نفسها مع الشعب واندماجها فيه وكيف للمظهر العام أن يوحي للعدو المتربص بفكرة وافية عن هذا الانصهار والتلاحم بين الشعب وقيادته، وكذلك الحال في حاضرنا المعاصر، والحقيقة أن الزي القطري ما زال يعكس مدى المروءة والرجولة التي تمتع بها الآباء الذين أسسوا هذه البلاد مع غيرها من القيم والمكارم التي حباهم الله بها وتوارثوها كابرا عن كابر. ونحن عندما نتحدث عن الزي القطري فنحن لا نتحدث عن مجرد أقمشة وملابس يستر بها الإنسان نفسه ويقلد غيره وكفى، بل هو انتماء وارتباط روحي عميق متجذر، وقد انبهر العالم كله بهذا الانتماء في بداية الحصار مما حدا برئيس أكبر وأقوى دولة في العالم أن يلحظ هذا الشيء ويذكره لوسائل الإعلام العالمية وينوه إلى هذا الترابط بين الشعب وقيادته. ولن أدعوك إلى تأمل الزي القطري في المناسبات الرسمية وغير الرسمية، ولكن أدعوك عزيزي القارئ إلى تأمل أحد الأمثلة المتكررة والبسيطة ربما في نظرنا، ولكن لها أعمق الوقع في نفوس غيرنا، ألا وهو (منظر الجماهير القطرية في مباريات كرة القدم)، نعم يا سيدي الفاضل، انظر معي بعين التجرد وسترى قوة وقع السمت القطري المهيب وهو يكسو المدرجات فلا ترى أحذية (أجلكم الله) تتطاير في الهواء بل لا ترى إلا الجموع الغفيرة وقد اتحدت في بياضها الناصع بتاريخ هذه الأرض وشعبها وسترى بنفسك كيف أن المنظر وحده يوقع الرعب في قلب كل حاقد متربص، لأنه سيرى بأم عينيه صورة تغنيه عن ألف تقرير أن تمسك هذا الشعب بجذوره الدينية وموروثه الشعبي هو ما جعله أمنع عليهم من عُقاب الجو. ولو لم يكن إرثنا فخراً يفخر به كل مسلم لما أعرنا أي اهتمام ولما تصدينا لمحاولات البعض تشويه صورة القطري وإظهاره بمظهر قليل المروءة الذي لا يغلي دمه حمية وجزعاً إذا مسّت مفاخر الأجداد رحمهم الله وغفر لهم ووسع مدخلهم والحقنا بهم في الصالحين. وفي الخاتمة أترككم مع بعض الأبيات التي لا تخفى دلالتها على القارئ الحر الفطن اللبيب: فأوصيـك منـي يـا فتـى يـا ابـن جاسـم فـلا تكـن عنهـا يـا فتـى الجـود غـايـب تمسـك بتقـوى الله وأخلـص لــه العـمـل بعلـم عـلـى حــق صــواب وصـايـب تـرى مـن أطـاع الله طاعـت لـه الـمـلا وذلـت لـه أرقــاب المـلـوك الصعـايـب فأنا أقول ذا وأرجو من الله عفوه والأقوال فيها مخطيات وصايب ‏[email protected]