14 سبتمبر 2025

تسجيل

القمة الخليجية والتعاون الاقتصادي

09 ديسمبر 2012

يزخر جدول أعمال القمة الخليجية المتوقع أن تلتئم بعد أيام قليلة في العاصمة البحرينية المنامة بالكثير من القضايا والمستجدات المؤثرة على تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة، مما يعني أن الأحداث الجارية، وبالأخص الجدل الدائر حول الاتحاد الخليجي والأوضاع في سوريا والتهديدات المحيطة بمنطقة الخليج العربي سوف تستحوذ على المساحة الأكبر من جدول الأعمال. ومع ذلك؛ فإن التعاون الاقتصادي لا بد وأن يكون له نصيب ولو بصورة أقل من القمم السابقة لأسباب عديدة، يأتي من ضمنها التحديات التي تواجهها دول المجلس والتي تتطلب زيادة التنسيق والتلاحم الخليجي، وكذلك تقلص مساحة تعميق التكامل الاقتصادي بعد إنجاز أوجه التعاون التي لا تقترب مما يسمى بالسيادة الوطنية، كمنطقة التجارة الحرة والاتحاد الجمركي وحرية انتقال السلع والخدمات وعمل أصحاب المهن من المواطنين الخليجيين. أما بقية القضايا الاقتصادية التي تتطلب التنازل عن جزء من هذه السيادة، كالسوق المشتركة والعملة الموحدة وتوحيد القوانين والأنظمة الاقتصادية فإنها ستظل معلقة لفترة طويلة، كما يتضح من تعامل الأمانة العامة معها وركنها جانبا بسبب تفاوت مواقف دول المجلس بشأنها. ومع ذلك، فإن التقدم الذي حققته دول المجلس في بعض المجالات ولمست جميعها نتائجه الإيجابية، كالربط الكهربائي والذي ضمن إمدادات مستمرة ودون انقطاع في كافة دول المجلس أثناء فترات الذروة في فصل الصيف، مما قد يدفعها في القمة المرتقبة إلى تبني أوجه تعاون مماثلة ومتاحة، كالربط المائي والذي يتم تداوله في الوقت الحاضر. وتحمل عملية الربط المائي جوانب اقتصادية ومعيشية مهمة، وستشكل إضافة كبيرة للتعاون الخليجي إذا ما أدرجت وأقرت في قمة المنامة، فالطلب على مصادر المياه يتضاعف بصورة سريعة في كافة دول المجلس، في الوقت الذي تتناقص فيه مصادر الإمدادات التقليدية ويزداد الاعتماد على معامل التحلية المكلفة اقتصاديا والتي تتحمل بسببها موازنات دول المجلس مبالغ طائلة، حيث يتوقع أن تصل تكاليف إقامة محطات التحلية في دول المجلس إلى أكثر من 19 مليار دولار حتى عام 2020، وفق شركة "بلاك فيتش" مما يعني زيادة الاعتمادات المخصصة لإنتاج المياه. لذلك، فإن إدراج الربط المائي لا يقل أهمية من الناحية الاقتصادية عن الربط الكهربائي الذي نجحت دول المجلس في تنفيذه وتمخضت عنه نتائج اقتصادية وخدماتية وبيئية إيجابية، إلا أن الربط المائي لا بد وأن يتجاوز الربط اللوجستي ليشمل وضع إستراتيجية شاملة ويتضمن جوانب أخرى سيكون لها انعكاسات اقتصادية كبيرة والتي يمكن تلخيص أهمها في الآتي: من المعروف أن المبالغ المخصصة لاستيراد تقنيات تحلية المياه تستحوذ غلى الجزء الأكبر من تكاليف وتشغيل هذه المحطات، ومع أن دول المجلس تعتبر أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم، فإنها لا تملك حتى الآن قاعدة تكنولوجية لإنتاج وتطوير تقنيات التحلية والأجهزة والمعدات وقطع الغيار اللازمة لصيانة وتشغيل هذه المحطات. لذلك، فإن مسألة الربط المائي إذا ما أقرت كضرورة اقتصادية ومعيشية لدول المجلس، فلا بد من ربط هذا التوجه بمسألة مهمة أخرى تختص بتوطين تقنيات التحلية وإعداد المؤهلات الخليجية العاملة في هذا المجال وتفعيل المركز المختص بذلك الذي اتفقت دول المجلس إلى إقامته في سلطنة عمان، حيث سيؤدي هذا التوجه إلى تخفيض التكاليف المرتفعة للغاية لإقامة وإنتاج المياه. أما الجانب الآخر لهذه الإستراتيجية، فيكمن في اعتماد التوجه الخليجي الخاص بالربط المائي على مصادر متعددة من التزود بالمياه والتي تعتمد بصورة شبه تامة حاليا على التحلية، فهناك مصادر المياه الجوفية والتي لم تستغل حتى الآن، حيث يذكر عالم وكالة "ناسا" الدكتور فاروق الباز أن هناك كميات هائلة تحت صحراء الربع الخالي تساوي مصب نهر النيل لمدة 600 عام. كما أن هناك مصادر المياه الحلوة الكائنة في مياه الخليج والتي اكتشفها وطورها الفينيقيون منذ آلاف السنين وسميت المنطقة الممتدة من البصرة إلى الإحساء بالبحرين لوجود المياه الحلوة والمالحة مجتمعة، حيث تكمن في مياه الخليج منابع مياه غزيرة ومنخفضة التكاليف وغير مستغلة حتى الآن، إذ يكلف سعر المتر المكعب من مياه البحر الحلوة دولارا واحدا فقط، مقابل 5 : 7 دولارات تكلفة المتر المكعب للمياه المحلاة. وأخيرا، فإن ترشيد استهلاك المياه يمكن أن يقف على رأس أولويات إستراتيجية المياه في دول المجلس، فهناك ارتفاع كبير في معدل الاستهلاك بسبب سؤ الاستخدام، مما وضع دول المجلس في مقدمة بلدان العالم في حصة استهلاك الفرد، في الوقت الذي تفتقر فيه إلى مصادر المياه. هذه إحدى القضايا الاقتصادية والمعيشية المهمة التي تشكل أحد مقومات التنمية المستدامة في دول المجلس والتي تتطلب اهتماما خاصا، فالقضايا السياسية والمستجدات في المنطقة وتحوط دول المجلس لتفادي تأثيراتها والتعامل معها بما يؤدي إلى حماية دول المجلس من تأثيراتها مسألة مهمة ومصيرية لحماية المصالح والدفاع عنها، في حين يبقى الاهتمام بالقضايا الاقتصادية ليشكل صمام أمان لاستقرار دول المجلس والمحافظة على الثروات الطبيعية وعلى مستويات المعيشة المرتفعة التي تتمتع بها في الوقت الحاضر.