15 سبتمبر 2025

تسجيل

أجمل وطن

09 ديسمبر 2010

الوطن نعمة والعيش فوق أرضه أمان واطمئنان.. والبعد عنه نقمة وضياع وتشتت وابتلاء.. وكيف لا يكون ذلك وهي فطرة فطر الله بها الإنسان، الكل يتوق إلى حيث وُلد وترعرع وعاش، الكل يحب أن يعيش في وطنه فوق أرضه وتحت سمائه وأن يموت في وطنه كذلك وتحت ترابه.. ولهذا فإنك قد تستغرب من بعض الذين عُذبوا وطردوا من ديارهم على مر التاريخ وذلك نتيجة للحروب أو طلب العلم أو نتيجة معارضتهم لذوي النفوذ والسلطة في أوطانهم فذاقوا صنوف العذاب والتنكيل أو تم نفيهم من أوطانهم.. لعلك لو سألت أحدهم: ما هي أمنيتك؟ لأجابك: أن أرى وطني وأن أعيش فوق أرضه، أو أن أُدفن تحت ترابه.. حتى وإن ذاق في وطنه ذلك أقسى صنوف التعذيب والهوان كما يحدث في بعض الدول الاستبدادية الديكتاتورية، فإنه بلا شك سيتمنى أن يعود إلى وطنه طائعاً مختاراً.. ليمضي أيامه الأخيرة متذكراً طفولته ونشأته في وطنه.. بشكل يجعلك متأكداً من أن هذه فطرة إنسانية أوجدها الله في الإنسان.. بل وفي العديد من مخلوقاته.. حتى ترجع إلى أوطانها وتحن إليها وتتوق وتشتاق إلى أول عهدها بالأرض.. وتتمناه أن يكون آخر عهدها به كذلك.. تمهيداً لرحلة سماوية.. إما إلى نعيم خالد.. أو جحيم خالد. هذه فطرة الإنسان تجاه وطنه عموماً.. فكيف إذا كان وطنه ذلك لم يذق فيه طعم المهانة ولا الذل ولا التعذيب ولا الاستبداد ولا طعم الظلم بشكل عام.. فإنه سيُحبه بل وسيضحي من أجله وسيرغب في أن يموت من أجله في الدفاع عنه.. كيف لا يفعل ذلك.. وهو الملاذ إليه من بعد أي سفر، والراحة من بعد كل تعب، والشبع من بعد كل جوع، والارتواء من بعد كل ظمأ، والطمأنينة من بعد كل خوف، ولهذا فإنها نعمتان لا يدرك معناهما إلا من ذاقهما وأحس بفضل الله عليه فيهما.. ( أطعمهم من جوع.. وآمنهم من خوف ). إن قطر وبفضل الله تعالى تعيش أياماً بل وأعواماً من التألق والازدهار يغبطها بل ويحسدها عليها الكثير من الدول، وبالتالي فإن شعبها كذلك.. مغبوط من الأصدقاء والأحباب ومحسود من الأعداء والحاقدين، الذين كفروا بنعمة الله فرأوا أنهم لا يملكون شيئاً.. ويحسدون الناس على ما آتاهم من فضل وخير ونعمة.. وحري بنا أن نعيش الوطنية وأن نفهمها بصدق ونرد جزءاً من ديننا لهذا الوطن الجميل الذي عشنا فوق ترابه بكرامة.. وسنموت فوقه – إن شاء الله – بعزة وكرامة، وكيف لا نعلن ذلك، وهذا الوطن لا يزال يعلنها ليلاً ونهاراً بأنه يسعى جاهداً لأن يعيش أبناؤه في رفاهية وعيش كريمين، إذن فمن الأجدر بنا أن نطمئن وأن ينصب تفكيرنا في كيفية رد هذا الجميل أو جزء يسير منه، كل حسب جهده وطاقته، كلٌ حسب موقعه ومكانته، كلٌ حسب استطاعته وإمكانياته، كلٌ حسب جنسه وطبيعته، فلا يُعذر أحد في أن يُعفى من رد الدين لهذا الوطن الجميل.. وأضعف الإيمان في ذلك.. أن يكون مخلصاً له طيلة حياته. وأضعف الإيمان في ذلك كذلك أن يفرح كلما عَلِمَ بأن وطنه سيكون مزدهراً أكثر من ذي قبل، وأن يفرح لأي خير يأتي لبلاده وأن يحزن لأي سوء يحل قريباً أو بعيداً من وطنه.. خشية أن يلحق هذا السوء ولو شيئاً يسيراً من الأذى لبلاده التي يحبها حباً يخالط دمه.. ويتشعب في كيانه وروحه. هناك من يشكك وبسهولة مطلقة في وطنية هذا وفي إخلاص ذاك، وهو كلام لا يُفرح إلا الأعداء.. أعداء الوطن.. سواء كان هذا الوطن الصغير.. قطر الحبيبة.. أو الوطن الكبير.. العالم العربي والإسلامي، فقد انتشرت موضة التشكيك في وطنية كل من يتكلم حول موضوع معين، وقد نجدها واضحة بشكل كبير في تلك البرامج الحوارية التي تستضيفها قناة الجزيرة على سبيل المثال وغيرها من القنوات عندما تستضيف تلك البرامج متحدثين مختلفين في وجهات النظر حول موضوع معين وكلاهما من نفس الجنسية ونفس البلد، فما يلبث أن يصل الحوار إلى نقطة اختلاف جوهرية حتى ينعت أحدهما الآخر بأنه "غير وطني" أو أن يشكك الأول في ولاء الثاني.. ويتهم الثاني الأول بالخيانة.. ويتهم الثاني الأول بالعمالة.. وهكذا دواليك.. حتى نخرج بنتيجة أن ليس من طرف مستفيد من كل ذلك إلا أعداء الوطن.. من الداخل أو الخارج. ونحن والحمدلله نعيش في قطر تجربة فريدة حري بها أن تحتذى لأنها تعبر عن حضارة الرأي والرأي الآخر وحضارة الفكر والديمقراطية الحقّة، حيث تناقش الناس كثيراً حول استضافة قطر لكأس العالم والتي فازت بها قطر بجدارة واستحقاق، وتطرّق الكثيرون للجوانب الإيجابية أو السلبية لاستضافة قطر لكأس العالم في عام 2022 م، ولكن ولله الحمد.. لم يشكك أحد في وطنية الآخر بل ولم تتخذ الحكومة أي إجراء فيمن كانت لهم تحفظات معينة أو مخاوف حول تلك الاستضافة.. لأنهم قدروا أن تلك المخاوف كلها كانت تنصب حول مخاوف من غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار وهي مخاوف طبيعية لكل مواطن يغار على وطنه، ولكن تعامل الحكومة مع كل تلك المخاوف كان جميلاً بأن طمأنت الجميع بأن قطر ستظل محافظة على العيش الكريم بل والرغيد لأبنائها كما كانت تفعل في السابق، وذلك نموذج فريد في التعامل مع الناس وعدم التشكيك في وطنيتهم، بل إن الناس أنفسهم تعاملوا مع بعضهم البعض بوطنية جميلة.. جعلتهم يعتقدون في الآخر.. حسن الظن.. وأن الآخر يحب قطر أكثر منه.. وأن الأول يحب قطر أكثر منه.. حتى أصبحت أشبه بمنافسة شريفة فيمن يحب قطر أكثر؟ إنها الوطنية التي نريدها.. ونتمناها لشعوب العالم العربي والإسلامي.. فاللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً.. سخاءً رخاءً.. وسائر بلاد المسلمين.. اللهم آمين.