13 سبتمبر 2025

تسجيل

وماذا بعد النهاية؟

09 نوفمبر 2023

ستنتهي كارثة الإبادة الجماعية في غزة. مثل كل الحروب ستنتهي. سنمشي مع الأخطاء والخطايا ونقول سيكون هناك وضع جديد لغزة. سأفترض أن كل أهداف الكيان الصهيوني قد تحققت. هل ستنطفئ الذاكرة؟ هل أنا في حاجة لأقول للساسة وقادة الحروب، أن الذاكرة ليست في حاجة إلى مؤرخ من قلب الأحداث، أو حتي زائر للمكان بعدها يسمع الحكايات، كما عرفنا طوال التاريخ القديم. السبب واضح جدا، وهو أن كل ما يحدث يُتاح في اللحظة نفسها في فضاءات السوشيال ميديا، ومسألة مسحه أو إخفائه ستحتاج سنين ولن تنجح. إن ما يتم مسحه الآن ينكشف فورا ويُعاد إرساله. كيف سيرى من سيعيشون من الشباب والأطفال ما جري في بلادهم؟ هل سيرونه كما أراد الصهاينة، رد فعل طبيعي لما قامت به كتائب القسام في السابع من أكتوبر كما يراه كثير من السياسيين في العالم العربي والعالم؟ وهل لن يفهم أطفال وشباب المستقبل أن السياسة تختلق لنفسها المبررات الكاذبة على طول التاريخ، بينما الحقيقة دائما عكس ما يقول المعتدون. هل سيغيب عنهم ذلك وهم يرون الحقائق كل يوم أمامهم وينجيهم الله وحده فقط منها. الله وحده من فضلك ولا تبكي مثلي على حالنا. الإبادة الجماعية التي يقوم بها الصهاينة لأهل غزة ليست ثأرا مما جرى في السابع من أكتوبر. جزء كبير من رد فهل الصهاينة هو الصدمة، فهم يعيشون بين كذبتين. إحداهما تاريخية وهي أنهم شعب الله المختار، والثانية معاصرة، فهم لا يعترفون بهزائمهم، ولا يستطيعون إنكار أن قوتهم العسكرية مهما تضخمت هي مؤقتة، فلكل سلاح سلاح آخر يمكن أن يتفوق عليه، ويمكن جدا لأى شعب أن يجد من الأسلحة ما يفوق غيره، إن لم يكن اليوم فغدا. أهل غزة لا يملكون الآن سفنا ولا بوارج ولا طائرات ولا دبابات محصنة كما تملك اسرائيل، لكنهم يملكون الإرادة التي جعلت جنودهم يضعون القذائف على دبايات العدو مباشرة من المسافة صفر. المسافة صفر التي لا يعرفها جيش العدو المعتاد على الحرب السريعة تمهد فيها الطائرات لجنوده قبل التقدم البري. المسافة صفر التي يضع فيها المقاتل من غزة قنبلته علي دبابة العدو مباشرة، أصبحت أعظم معادلة رياضية، فصار الصفر في الحساب الذي لا يعني شيئا هو كل شيء. اضرب الصفر في أي رقم فستجد أن النتيجة صفر، لكن الصفر هنا يأتي بنتيجة لا تخطر على بال العدو، وهو تفجير مركبته الحربية بمن فيها. ما الذي جعل للصفر هذا المعني الذي يفوق كل مسائل الرياضيات العقلية. هي الإرادة. هي الروح التي تهزم كل العقول وتدبيرها. وهكذا نعود إلى السؤال الأول وماذا بعد النهاية؟ لن تزول الذاكرة لأنها لا تنتظر مؤرخا، بل تنفتح لها صفحات المواقع الافتراضية في كل العالم. ومن سيعيش من أهل غزة لن ينتظروا من ينعش ذاكرتهم بما جرى. سيبدأون هم إحياء الذاكرة ولو دون سلاح. ومهما طالت مدة الهدوء بعد أن يحقق الكيان الصيهوني أهدافه، ويرضي ساسته المعتوهين المرضى النفسيين، ستستيقظ الذاكرة من جديد. لقد نسي البشر عشرات المذابح في التاريخ لكن الزمن اختلف، فليست هي أخبارا نعرفها من بعيد أو بعد سنين. الساسة الصهاينة لا يدركون ذلك ولا يهمهم إلا تحقيق خرافاتهم، من أنهم شعب الله المختار، وأقوى دولة في الشرق الأوسط. سيذهبون إلي مزبلة التاريخ ومن أيدهم، وستبقي الذاكرة تصنع زمنا جديدا مهما طال الهدوء بعد النهاية التي يسعى إليها الصهاينة.