14 سبتمبر 2025
تسجيلمنذ اللحظة الأولى لنجاح ثورة يناير كان النائب العام المستشار عبد المجيد محمود يعلم أنه سوف تتم تنحيته لا محالة، نظرا لأنه يعتبر جزءا أصيلا من نظام مبارك الذي جثم على صدور المصريين طوال السنوات الماضية، حيث أسهم عبر عدم إرساء مبادئ وقيم العدالة في زيادة السخط الشعبي الذي انتهى بقيام الثورة. فقد كان يقدم المعارضين للنظام إلى المحاكمة في الوقت الذي لم يجرؤ فيه على فعل الشيء نفسه مع الفاسدين والمجرمين الذين نهبوا ثروات الوطن. ولذلك فإنه عندما صدرت أحكام البراءة في قضايا قتل الثوار، خاصة قضية موقعة الجمل، بسبب تراخي النيابة العامة في تقديم الأدلة التي تدين القتلة، كان متوقعا أن يتنحى النائب العام من تلقاء نفسه، حتى يتجنب الصدام مع الثوار. وهذا كان السبب في اللغط الذي ثار حول قرار الرئيس مرسي بتعيينه في منصب سفير مصر في الفاتيكان، حيث وافق المستشار عبد المجيد في البداية خوفا من ردود الفعل العنيفة ضد أحكام البراءة، لكن بعد تدخل عدد من القضاة، خاصة أولئك الذين ارتبطوا بالنظام السابق وتطولهم اتهامات بالفساد والرشوة، تراجع النائب العام عن موافقته على التنحي وقبول منصب السفير. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل حول الأمر إلى قضية صراع مع مؤسسة الرئاسة وجماعة الإخوان المسلمين، ليظهر بمظهر البطل الذي يدافع عن استقلال القضاء مدعوما بهؤلاء الفاسدين الذين يخشون على أنفسهم من تقديمهم للعدالة في حال تعيين نائب عام جديد يسعى لتحقيق أهداف الثورة، خاصة تلك المتعلقة بالعدالة الناجزة. وهنا بدأت تظهر البلاغات التي تنال من مؤسسة الرئاسة وجماعة الإخوان. فبدأ بالإعلان عن التحقيق في تصريحات الدكتور عصام العريان، القيادي بحزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للجماعة، حول وجود تسجيلات لدى المؤسسة تؤكد موافقة عبد المجيد على منصب سفير مصر في الفاتيكان، حيث أكد النائب العام أن هذه التسجيلات في حال وجودها تعتبر مخالفة للقانون. وأرسل خطابا رسميا لمؤسسة الرئاسة يطالبها فيه بتوضيح الأمر. ثم بدأت عملية تفعيل بعض البلاغات الكيدية ضد رموز الجماعة وفصائل التيار الإسلامي الأخرى. حيث قام النائب العام بفتح تحقيق مع عصام سلطان نائب رئيس حزب الوسط حول البلاغ الذي تقدم به أحمد شفيق مرشح الرئاسة الخاسر يتهم فيه سلطان بسبه وقذفه، هذا في الوقت الذي لم يقم فيه المستشار عبد المجيد بفتح التحقيق في عشرات البلاغات المقدمة من عصام سلطان وغيره ضد أحمد شفيق بشأن إهدار المال العام والسرقة والتربح، والمشاركة في تخطيط وتنفيذ موقعة الجمل. ثم جاءت الواقعة التي أعلن عنها الدكتور محمد البلتاجي أحد قيادات حزب الحرية والعدالة، التي أشار فيها إلى أن أحد المحامين اتصل به بناء على طلب من أحد رؤساء النيابة يطلب منه الاتصال بأحد ضباط أمن الدولة، ليطلب منه الصفح حتى يتنازل عن البلاغ المقدم منه ضده (أي ضد البلتاجي) والذي يتهمه فيه بالاعتداء عليه أثناء الانتخابات البرلمانية المزورة في عام 2010. يقول الدكتور البلتاجي إن "النيابة العامة تفتش لنا عن تهم في دفاترها القديمة وتحقق معنا في قضايا ملفقة صنعت في مقار أمن الدولة في زمن حبيب العادلي وحسن عبد الرحمن، ومطلوب منا أن نطلب الصفح من ضباط أمن الدولة وإلا حبستنا النيابة العامة. النيابة التي لم تجرؤ في زمن مبارك أن تحقق في هذه البلاغات لعلمها أنها مفبركة، جاهزة الآن للتحقيق معنا فيها". وفي واقعة مشابهة أعلن عضو مجلس الشعب السابق محمد الصاوي أن النائب العام اتصل به وهدده بفتح التحقيق في بلاغات ضده بسبب تقديمه لبلاغ ضده أمام مجلس القضاء الأعلى بسبب رفضه فتح التحقيق في آلاف البلاغات التي قدمت له حول وقائع الفساد ونهب المال العام منذ نجاح الثورة وحتى الآن. والسؤال: هل يستطيع النائب العام ممارسة عمله والتعبير عن ضمير الأمة في ظل هذه الصراعات التي يخوضها ضد الثورة المصرية ورموزها؟