13 سبتمبر 2025
تسجيلكان الشاب يقود سيارة بي إم دبليو جديدة في شارع داخل حي سكني، بسرعة فائقة منتشياً ومزهوا لكونه ناجحاً في عمله، (ولا يهمك أيها القارئ فأنت أيضا تملك بي إم دبليو عتيقة: بي= بكرة، إم= معليش، دبليو= ولا يهمك)، المهم أن ذلك الشاب كان في منتهى الانبساط بعد أن صار مدير إدارة قبل أن يبلغ الـ 27، وخطب فتاة جميلة، ولديه رصيد مصرفي لا بأس به، ولاحظ صاحبنا خلو الشارع من المارة، مما جعله يسعد بالتمايل بالسيارة يمنة ويسرة، وهو يمارس التفحيط، وفجأة رأى حجراً كبيراً يشق طريقه صوب سيارته فقام بمناورة أسقطت السيارة في حفرة، وضرب الحجر الباب الخلفي للسيارة، فأوقفها ونزل فإذا هي منبعجة حيث أصابها الحجر، وتلفت فوجد صبياً يستتر وراء جدار، فأمسك به وهو يصيح: لماذا ألقيت الحجر على سيارتي يا غبي، يا حيوان، يا حاقد؟ أنظر حجم التلف الذي لحق بها! ونزلت الدموع من وجه الصبي وقال: سامحني لأنني من رمى ذلك الحجر، لأنه لم تكن أمامي من طريقة أخرى! طريقة أخرى لماذا يا ولد يا كلب؟ قال الصبي: حاولت إيقاف عدد من السيارات المارة ولكنها جميعاً لم تستجب لمحاولاتي، فقررت إيقافك بضرب سيارتك بحجر! ولماذا تريد إيقافي؟ هل تعرفني؟ هل بيني وبينك ثأر؟ هل أنت مستوى بي إم دبليو كي أقوم بتوصيلك الى الحي العشوائي الذي تعيش فيه؟ تحول بكاء الصبي إلى نشيج ونحيب وقال: أخي هناك .. لقد سقط من كرسيه المتحرك وعجزت عن رفعه ومساعدته، واضطررت لإيقافك بتلك الطريقة كي تساعدني! أرجوك ساعدني، لأنه يئن ويتألم، فنظر الشاب إلى حيث أشار الصبي فرأى كرسياً بعجلات مقلوباً، وفي الحفرة شاب، كان واضحاً أنه يعاني إعاقة تمنعه من الحركة. هز الموقف الشاب صاحب ال بي إم دبليو، وتحول غضبه إلى حزن مشوب بالخجل، وفي غضون دقائق كان قد أجلس الشاب المعاق على الكرسي، ثم أخرج منديله الورقي المعطر النظيف ومسح عن وجهه التراب، واطمأن إلى أنه لم يصب جراء السقوط في الحفرة، وهكذا تصافحا بينما لسان الصبي يلهج بشكر الشاب صاحب السيارة الفارهة على شهامته ونبله، وعاد صاحبنا إلى سيارته ولاحظ أن الحجر ألحق بها تلفاً بليغاً، لكنه قرر الإبقاء على "الطعجة والإنبعاج" كي يتذكر أن عليه عدم الاندفاع في الحياة، بحيث يكون بحاجة إلى من يلقي عليه حجراً ليقول له ما قاله أبو العلاء المعري: خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد كثيرون منا يمتلئون تيهاً وخيلاء لأنهم صاروا "فوق": عمارات وفلل واساطيل سيارات وحسابات بنكية متخمة، وينسون أنهم مثلي ومثلك من لحم ودم ومشاعر، وعرضة للمرض والألم والفقد والخسارة، فترمي الأقدار بحجارة في وجوههم أو جنبهم ليفيقوا؛ فيفيق من به بقية من ضمير، ويتمادى بقيتهم في غيِّهم وغطرستهم، والمدير الذي يذرع الممرات بين المكاتب وحذاؤه يصدر إيقاعات منغمة: كك كرك كك كرك، وكأنه سيخرق الأرض ويبلغ الجبال طولا، وتمنعه إيقاعات حذائه عن سماع التحيات التي يلقيها عليه الموظفون وشكاواهم ومظالمهم، قد يأتيه حجر على هيئة تقرير من ديوان المحاسبة، يكشف تجاوزاته المالية، أو قرار بإنهاء خدماته، عندها فقط يتذكر أنه خصم راتب أسبوع من موظف راتبه بضعة دريهمات وأنه "فنَّش" عاملاً في مكتبه لأنه رفض غسل سيارته بلا مقابل. فلنشق طريقنا في الحياة بلا اندفاع أو خيلاء، فالمطبات كثيرة ولكل شيء ضده! وما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع. [email protected]