13 سبتمبر 2025
تسجيلجلسات شاي الضحى، التي تجمع الصديقات من نساء الفريج، يتبادلن خلالها الأحاديث العذبة، التي تتخللها الضحكات المجلجلة، حيث لا متعة تضاهي هذه الجلسات اليومية التي يصاحبها ارتشاف المشروب السحري (الشاي).فالشاي لم يكن يوماً لدى الكثير من شعوب العالم مجرد مشروب لذيذ الطعم، أخضر اللون أو أحمر، يُشرب ساخناً أو بارداً مع السكر أو الحليب أو بدونهما، مع أوراق النعناع أو بنكهة الياسمين أو الزنجبيل. الشاي الذي اكتسح العالم منطلقاً من الصين، شربه أول الأمر الملوك والرهبان وعلية القوم. حيث تقول الأسطورة الصينية القديمة: إن الملك الصيني (شينونج) كان مغرماً بالأعشاب، ووجد ورقة شاي ساقطة على الأرض فقرر تجربتها مع قدح الماء الساخن، الذي كان يشربه عادةً فاستساغ طعمه، الأمر الذي جعله يولع بشربه، ثم انضم إليه رجال حاشيته، لتبدأ أولى جلسات الشاي في التاريخ. لينتشر شربه بعدها بين الناس في الصين، حيث اُعتبر من أهم الأشياء في المنزل كما تقول المقولة الشعبية الصينية (الحطب والأرز والزيت والملح وصلصة الصويا والخل والشاي تعتبر الأشياء الضرورية السبعة في كل منزل).. ووصل الشاي الى اليابان بعد عودة أحد الرهبان البوذيين من الصين، محملاً بمسحوق الشاي الأخضر، حيث أصبح للشاي فن خاص وطقوس مميزة، وتشير الكلمة اليابانية (سادو) الى حفلات الشاي الراقية ذات الطقوس العريقة. ومن طقوس شرب الشاي في اليابان أنهُ يشرب في غرف خاصة ذات طابع تقليدي ياباني تسمى غرف الشاي، وفي اليابان الحديثة أُنشئت معاهد للتدريب على صنع الشاي وتقديمه ضمن الطقوس اليابانية الأصيلة.وعرف الأوروبيون الشاي أول الأمر في القرن السابع عشر، عندما أحضر الهولنديون الشاي الأخضر إلى أوروبا، ومثل كل الأشياء الجديدة أصبح الشاي مشروب المترفين من أمراء ونبلاء أوروبا. ثم لينتشر بين العامة في فترات لاحقة، وكما في مناطق أخرى من العالم أولع به الناس في أرجاء القارة الأربعة، ويعتبر البريطانيون من أكثر شعوب الأرض شغفاً بالشاي، حيث تحتفظ العائلات الإنجليزية بعدة الشاي الأنيقة، التي يطيب لهم تناوله بها مع قطع البسكويت والكعك المسمى (سكونز).. كما تعتبر شعوب الشرق الأوسط من أكثر سكان الأرض ولعاً بالشاي، فالأتراك والإيرانيين والعرب لايبدأ يومهم دون شرب الشاي الأحمر المضاف إليه السكر، ويعد السماور التركي والإيراني والروسي، الإبريق الذي يحضّر فيه الشاي قطعا فنية رائعة، تتوارثها العائلات جيلاً بعد جيل.كذلك يعشق أهل المغرب العربي الشاي الأخضر المضاف له أوراق النعناع والسكر، ولا تكتمل طقوس الضيافة عندهم إلا بتقديم الشاي ذي الرائحة النفاذة للضيوف، بالإبريق التقليدي والأكواب والصينية الفضية اللامعة. وكما شغف سكان المعمورة بشرب الشاي، كذلك أبدع كل شعب بطريقة إعداده وشربه، فسكان التبت يشربونه مالحاً ومضافاً اليه الزبدة، حيث يعد مصدراً للدفء والطاقة، والصينيون يشربونه مخلوطاً بالياسمين الذي تنعش رائحته الأخّاذه الحواس، ويعد الشاي المثلج من أكثر المشروبات الشعبية في تايلاند، كما يشتهر الهنود بأنواع من الشاي حازت على شعبية كبيرة في منطقتنا؛ ومنها الشاي الشهير المعروف (بالكرك) وهو الشاي المضاف له الحليب وبعض التوابل، والشاي السليماني وهو الشاي الأحمر الذي يضاف له السكر فقط.وقد عبّر الشاعر العراقي أحمد الصافي النجفي عن عشقه لهذا المشروب الساحر، بقصيدته الشهيرة التي يقول في مطلعها:لئن كان غيري بالمدامة مولعاً فقد ولعت نفسي بشايٍ معطرِإذا صب في كأس الزجاج حسبته مذابَ عقيقٍ صُب في كأس جوهربه أحتسي شهداً وراحاً وسكراً وأنشق منه عبق مِسك وعنبريغيب شعور المرء في كؤوس الطُّلا ويصحو بكأس الشاي عقل المفكريحد سرور المرء من دون نشوة فأجيب به من منعش غير مسكر