12 سبتمبر 2025
تسجيلتعتبر المدرسة صورة مصغرة للمجتمع، وبما أن ثقافة المجتمع قد تشعبت وتعقدت ومتطلبات الحياة قد تزايدت، مما جعل المجتمع يعزز دور المدرسة ويرفع من قيمتها وينصبها وكيلة ونائبة عنه تقوم بتنشئة الأجيال وتطبيعهم بطباع المجتمع والحفاظ على قيمه وعاداته، فإن قوة المجتمع واستمراره لا تعتمد فقط على القراءة والكتابة وتعلم العلوم والفنون والإعداد لمعترك الحياة، إنما يعتمد ذلك الاستمرار وتلك القوة في البناء الاجتماعي على السلوكيات والاتجاهات والقيم التي تغرسها المدرسة في الناشئة لخدمة الوطن والمجتمع، والانتماء إليها والتضحية في سبيلها واحترام العادات والتقاليد والنظم والتعليمات التي يرتضيها المجتمع واحترام أخلاقيات الجماعة، فالمدرسة مطالبة بأن تعمل على التكيف الاجتماعي والثقافي للنشء، ليصبح هؤلاء الأفراد أعضاء عاملين ناجحين ومشاركين في نهضة مجتمعهم، وهى مطالبة كذلك بتوسيع دائرة معارفهم وثقافتهم ليستطيعوا القيام بالأدوار التي تنتظرهم في الحياة العامة.إن المظاهر الأولى للتنشئة الاجتماعية تبدأ وتترعرع في جو الأسرة إلا انها لم تعد تستأثر وحدها بتلك التنشئة في عالمنا المعاصر، مما أدى إلى الاهتمام بالتعليم عن طريق المدارس التي أوجدها المجتمع وأصبحت بناء أساسيا من أبنيته، أوجدها لتقوم بتربية أبنائه وتنشئتهم، حيث لا توجد أي مؤسسة اجتماعية أخرى تمتلك من الفرص ما تمتلكه المدرسة، مما يدل على أهمية دورها المهم في التنشئة الاجتماعية، فالإنسان يتميز عن غيره من الكائنات التي تعيش معه بأنه مدرك للقيم لهذا السبب وضع في مكانة سامية لا يصل إليها ولم يصل أي كائن آخر، فهذا الإدراك هو الذي أهله لتلك المكانة التي يتقلدها بالفعل وهو الحد الفاصل بينه وبين غيره من المخلوقات، والمجتمع السوي مجتمع يعيش أفراده في توافق وانسجام، وهذا أمر يمكن تحقيقه عن طريق تربية الضمير والتوعية الصحيحة بقيم الدين والأخلاق وبتضافر الوازع الداخلي مع الوازع الديني يكون بناء الشخصية السوية للفرد بناء متماسكا يجعل المجتمع كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، فالهدف من تربية الأجيال هو إخراج جيل على منوال السلف الصالح متمسك بدينه وعقيدته الإسلامية وفق ضوابط ومعايير سليمة وصحيحة ليتم إعدادهم الإعداد المناسب الذي يبصرهم بدينهم، ويحميهم من كل مظاهر الغزو الثقافي الذي يسعى الأعداء لنشره في أوساط الجيل بهدف إخراجهم وإبعادهم عن عقيدتهم ونشر الرذيلة في أوساطهم، فإن أكبر تحد نواجهه ونحن نربي أبناءنا وبناتنا هو مدى قدرتنا على تربيتهم ليكونوا أفرادا صالحين في ذواتهم وأفكارهم ومشاعرهم سعداء وأصحاء جسديا ونفسيا، وأن نحميهم من الانحراف والجريمة والمخدرات وفقدان الهوية، إنها مهمة صعبة تتحدى كل تربوي وبخاصة في ظل ما يتعرض له الناشئة في عصر الانفتاح والعولمة من رسائل خارجية مسمومة متنوعة المصادر والألوان تعمل على هدم القيم الفاضلة التي نحاول زرعها، بل تعزز وترسخ القيم السلبية الفاسدة التي تقود الإنسان إلى الضياع والفشل وسوء الحال.فإنه لا يكمل دور المدرسة إلا بالتواصل مع المحضن الأول وهو الأسرة، فبالتواصل مع الأسرة توجد لنا عملية تكاملية في التربية ودور المدرسة مكمل لدور الأسرة، فالمدرسة تعمل على تأكيد المفاهيم الصحيحة التي تربى عليها الناشئة في الأسرة، لأن دور المدرسة لا يقتصر على التعليم فقط بل هو أكبر من ذلك، فدورها يشمل التربية والتعليم والتثقيف وتصحيح المفاهيم الخاطئة، ولهذا فإن على المدرس مراعاة دور المدرسة في تثقيف الناشئة وتربيتهم بما تقدمه لهم من خبرات منظمة ومتنوعة وأنشطة مختلفة، ومعلومات تغطى مختلف مجالات المعارف الإنسانية، كل ذلك في إطار فلسفة تربوية واضحة المعالم تستقي ذلك من الإطار العام لحياة المجتمع وأهدافه وحاجات التلميذ ومطالبه ومتطلبات العصر، فإن التعامل مع النفس الإنسانية يختلف كثيرا عن التعامل مع الآلة الصماء، لذلك كان توجيه الإنسان وتعليمه وتربيته على القيم والمثل وتقويم سلوكه يحتاج إلى الصبر وطول النفس وصدق العزيمة وأهمية التوجه لبناء أجيال صالحة تنفع نفسها وبلدها، فالمرء السوي هو الذي يسعى لرفعة شأنه وشأن أمته بطلب العلم والحرص على التعلم، فلا يدخر وسعا في الإحاطة بكل شاردة وواردة إن استطاع ويبقى دوما ينور عقله بالجديد من مستحدثات ذلك العلم بالمطالعة الدائبة والاطلاع المستمر في شتى ألوان العلم ومعارفه يكتسب العلم فيستفاد ويفيد ويكتسب المعرفة فيكون عنصرا فعالا في وطنه فينفع نفسه وينتفع به الناس من حوله فيرفعه ذلك إلى أعلى مراتب المجد والشرف وترتفع بارتفاع دعوته إلى الشأن الذي بلغه ما دام يمثلها في إخلاصه وجده ودأبه وما دام ينطلق من الروح التي أشاعها الإسلام في جو العلم إذ جعله فريضة يتقرب بها فاعلها إلى الله ويتخذ من العلم وسيلة لمرضاته مما يضمن عملية التواصل بين العائلة والدولة من اجل إعداد الأجيال الجديدة ودمجها في اطار الحياة الاجتماعية.