12 سبتمبر 2025
تسجيلبعد وفاة الرسول الكريمﷺ باتت الساحة مفتوحة للمرجفين وباتت وسائل الدفاع أضعف لدى المؤمنين، كانت خطة المؤمنين نشر الإسلام والخير والسلام في أرجاء الأرض، وكانت خطة المرجفين بقيادة ابن السوداء وقبيله، الذين سيتزعمون فيما بعد ما يسمى بالرأسمالية العالمية، هي العكس تماما، لا خير ولا سلام ولا إسلام، ولا دين بالمرة. لذلك فسيكللون جهودهم، بعد ذلك بقرون كما ذكرت سابقا، بإعلان صامت عن نهاية الدين باتفاقية ويستفاليا التي فصَّلنا فيها من قبل، والتي كانت بمثابة الضربة القاضية للنصرانية على المستوى الفعلي والرسمي، بينما تواصلت جهودهم ضدها على المستوى الشعبي. أما الإسلام فلم تتوقف جهودهم لتخريبه وتشويهه حتى اليوم على كل المستويات. في تلك البيئة المضطربة التي أعقبت وفاة الرسول الكريم ﷺ والتي ملأها المرجفون بالأكاذيب والأضاليل بذر أولئك المرجفون بذور الفتنة الكبرى التي ستوجه ضربة خطيرة لانطلاقة صاروخ الإسلام الذي كان في بداية صعوده للأعلى، وهي ستغير الكثير في حياة المسلمين وستكون بمثابة مرحلة فاصلة في التاريخ الإنساني كله. فلولا الاغتيالات والحروب التي دبرها ابن سبأ وقبيله والتي لم تكن لتحدث لولا مؤامراتهم المثبتة في معظم كتب التاريخ، لكان ما نكتبه الآن شيئا آخر. وأحسب أن مصادر التاريخ لم تأت لنا بكل ما أحاط بتلك المؤامرة من تفاصيل. لكن على كل حال فقد أدت في نهايتها إلى انزواء مبدأ الشورى وتحول الحكم الإسلامي إلى ملك عضود بتولي معاوية، بعد تنازل الحسن رضي الله عنه، وهو ما سيكون له أكبر الأثر في تسريع الانهيار، إذ لم يعد الحكم للأصلح بل للوريث. هنا لابد أن نلحظ أن الصاروخ كان ما زال وسيظل مندفعا في طريقه للأعلى لكن قوى الإرجاف والتشويه ستظل تعيق مسيرته بلا كلل ولا ملل. وهنا أيضا، وقبل سبر أغوار تفاصيل عملية التشويه الفكري، التي شكلت عقلنا الحديث والتي سميت زورا بالفلسفة الإسلامية، سيتحتم طرح سؤال مهم هو، من فسد أولا الحاكم أم المحكوم؟، أم أنها مسألة خارجة عن هذا القياس التقليدي؟ والحق أنها مسألة شديدة التعقيد وزادتها الدسائس والمؤامرات تعقيدا. وضمن مرجعيات كثيرة تناولت الموضوع، اعتبر العلامة محمد الغزالي أن الحكم الرشيد هو أول ما انفك من عرى الإسلام مصداقا لحديث الرسول الكريم ﷺ في ذلك. لكن لأن الأمور لم تعد بتلك البساطة، فقد ظهر لي احتمال آخر. فلا شك أن الحاكم والرعية في عهد عمر وعثمان وعلي، وحتى عمر بن عبد العزيز، كان كلاهما على درجة من الخيرية لا تسمح بوقوع تلك الفتن وسيلان كل تلك الدماء. لكن ثلة المرجفين كانت تنفذ خطة بعيدة المدى فتآمرت عليهم وأشاعت فيهم التقتيل والتفرقة. وهذا نموذج فريد لأنه يختلف عن نموذج ثنائية الحاكم الفاسد أو الرعية الفاسدة، فهنا كان كل من الحاكم والرعية صالحين ولكن الثلة الفاسدة أفسدت الوضع كله، وهذا ما رصده المستشرق الألماني هاينس هالم، عبر عدة قرون، في كتاب مهم بعنوان «الغنوصية في الإسلام» سنتوقف معه لاحقا. وما زالت تلك الثلة الطفيلية تفعل فعلها الخبيث في الأمم، تحت مسمى الرأسمالية. تلتف حول مراكز الحكم ورؤوسه فتفسدها أو تتخلص منها في إطار سعيها الحثيث الذي لا يتوقف لإظهار سيادتها على الأرض. وكان لهم في ذلك استراتيجية ثابتة من عناصر أربعة أساسية لا تفارقها هي التشويه، بتغيير الحقائق ومعاكسة النظريات الراسخة، والتحزيب، من باب فرق تسد، والإفساد الذي يصل إلى تغيير خلق الله، والتخفي وهو باب بحث كبير يحتاج إلى إطلاق ما يمكن تسميته علم جرح وتعديل التاريخ. وللحديث صلة.