03 أكتوبر 2025
تسجيلتعيش إسرائيل هذه الأسابيع الأخيرة معضلة غير مسبوقة مع وصول رئيس وزرائها الجديد للسلطة بعد مغامرة سلفه نتنياهو في غزة، وتتمثل المعضلة في إحياء جبهات عربية ودولية كانت خامدة كالبراكين النائمة من لبنان إلى الجولان إلى شباب غزة والمنطقة الخضراء (فلسطينيي 48) ومطرودي الشيخ جراح والقوى الإقليمية المساندة للحقوق الفلسطينية المشروعة وتدخلات اليهود المثقفين في الداخل والخارج الذين يخشون زوال الدولة العبرية بفعل التهور والمروق عن القانون الدولي أي السياسات التي أضرت بسمعة إسرائيل بعد رحيل إدارة ترامب، ومن الجبهة اللبنانية تحرك حزب الله بعمليات عسكرية ترتكز على عقيدة تحرير أراض لبنانية تعرضت في الأيام الأخيرة الى قصف إسرائيلي حدودي خرقت القرار 1701 الذي رسم مؤقتا حدودا لكلا الجانبين في انتظار اتفاق نهائي يأذن بتحرير مزارع شبعا من السيطرة الإسرائيلية، بينما السلطات العبرية تعتبر هذه المساحات الشاسعة من الأرض منطقة حزام أمني (بنفس منطق احتلال سيناء والجولان وفلسطين كلها بدعوى حماية أمنها!)، لأن مزارع شبعا والجولان السوري مناطق عربية محتلة منذ 1967 وتعتبرها منظمة الأمم المتحدة أراضي محتلة إلى جانب قطاع غزة الذي صمد في وجه العدوان رغم ما ناله من قصف وقتل وتدمير عاد كله بالوبال على إسرائيل دبلوماسيا وإنسانيا منذ أن تكفلت محكمة الجنايات الدولية بملفات جرائم حرب ارتكبها الجيش الإسرائيلي وبعد إدانة منظمة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بجينيف للعدوان الغاشم. وهنا يحسن أن نقرأ بعيون مختلفة دراسة كتبها الأكاديمي الإسرائيلي (ديفيد وينبريدج) رئيس المعهد الإسرائيلي (بيجن السادات) للسلام منذ زمن قصير حول ما يسمى الربيع العربي واستفادة الدولة العبرية منه عسكريا وإستراتيجيا واهتديت من خلال نظريات هذا الرجل الى حقائق كدنا في زحمة المصائب ننساها، حيث قال كلاما على درجة كبيرة من الأهمية علينا أن نسمعه بآذان لاقطة ونقرأه بعيون مفتوحة وعقول مدركة لمخاطر اللحظة العربية التي نعيشها. فماذا قال (ديفيد وينبريدج)؟ أولا حلل حالة الدول العربية العدوة (طبعا لإسرائيل…) بموضوعية وارتياح وشعور بالزهو مؤكدا على أن إسرائيل ما بعد حرب 1967 وحرب 1973 كانت تواجه ثلاثة جيوش عربية قوية ومسلحة واحترافية مدربة ومهيكلة بشكل عصري ولديها عقيدة مواجهة إسرائيل وهي جيش العراق وجيش سوريا وجيش مصر، ولا تشكل القوى العسكرية العربية المساندة لها مثل حماس وحزب الله والحوثيين بمختلف مسمياتها سوى ردائف متحمسة ومعبأة لكنها لا تقدر بمفردها أن تواجه (تساحال) وشرع المنظر الإسرائيلي يحلل ما وقع لهذه المؤسسات العسكرية الثلاثة منذ التاسع من أبريل 2003 في ساحة الفردوس البغدادية إلى اليوم فقال: أول خطأ عربي قاتل هو احتلال صدام حسين للكويت مما أحدث الشرخ العربي الأخطر في التاريخ الحديث بكل زوابعه وتوابعه المعروفة، وهنا جاء الدور الأمريكي ليدخل على الخط الإقليمي الشرق أوسطي بقوة، ويقضي على الجيش العراقي بسهولة بتنسيق مع منظمة الأمم المتحدة وبالضوء الأخضر من موسكو وبيجين وبتعاون طبيعي مع الجيوش العربية الأخرى وأولها الجيشان المصري والسوري! استراحت إسرائيل بلا عناء من الخطر العراقي أي انتصرت إسرائيل بدون حرب وجاء الدور على الجيش السوري منذ 2011 حيث قامت في دمشق حركات مدنية سلمية لتحذو حذو تونس ومصر واليمن وليبيا في المطالبة باصلاحات سياسية ودستورية في جمهورية تحولت مع بشار إلى حكم وراثي لم ينجح في إنجاز إصلاحات حقيقية بسبب استفحال مصالح الحرس القديم الذي تشكل حول والده حافظ الأسد لكن النظام السوري رد على هذه الحركات بعنف غير منضبط وتورط الجيش وكذلك بعض التنظيمات المقاتلة التي تواجهه في مجازر رهيبة وممارسات وحشية لكن المؤسسة العسكرية السورية أصبحت مشلولة إزاء عدوها التقليدي إسرائيل ولن تقوم قائمة للجيش السوري قبل عشرين عاما، فاطمأنت إسرائيل أيضا على هذه الجبهة وسيظل الجولان في أيدينا (المتحدث هو دائما ديفيد وينبريدج ….الإسرائيلي) وأخيرا التفتت واشنطن إلى الجيش المصري الذي كان الوحيد العربي محقق نصف انتصار أكتوبر 73 وكان الحامي الأول لمصالح العرب منذ حرب اليمن وحروب الخليج إلى اليوم. هذا الجيش العربي الوحيد الباقي عقدت دولته صلحا مع إسرائيل وأمنت منه إسرائيل. الخلاصة هي أننا بإزاء تحديات عنيدة نواجه فيها عدوا تاريخيا واستراتيجيا لنا وللقانون الدولي وللسلام العالمي ولوبيات عالمية غربية تساند إسرائيل لا تريد لنا لا الأمن ولا السلام ولا حتى علاقات حسن الجوار، ونواجه أيضا وبالضرورة قوى عسكرية وتكنولوجية واقتصادية وإعلامية ومالية غربية متحالفة تقليديا مع إسرائيل التي والحق يقال نجحت فيما فشل فيه العرب منذ حرب 1948 أي بلوغ قلوب وعواطف الأمة الأمريكية، رغم أن الإدارة الأمريكية الراهنة مع بايدن لديها عقيدة أمنية مختلفة وأقل تحالفا مع التهور الإسرائيلي. إن العرب إذا استمروا في فقدان البوصلة السياسية والحضارية سوف يكونون السبب في نصر إسرائيل عليهم وإطالة عمر المظلمة المسلطة على شعب فلسطين منذ قرن، فاعتبروا يا أولي الألباب أو أننا لانزال غير عابئين بحكمة قالها الإمام علي كرم الله وجهه وهي: ما أكثر العبر وما أقل الاعتبار. [email protected]