15 سبتمبر 2025

تسجيل

إنها العشرُ فشمِّروا

09 أغسطس 2018

نستقبل هذه الأيام خير أيام العام وأجلها وأنفَسها قدرًا وأعظمها أجرًا ومثوبةً من الله تعالى، إنها العشر الأُوَل من شهر ذي الحجة، ومن عظيم فضل هذه الأيام أن ذكرها الله تعالى في كتابه العزيز، وحثَّنا على الذِّكر والثناء فيها بما يحبه ربنا جلَّ وعلا. قال تعالى: ((وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ)) [الحج: 28].  وجمهور أهل العلم على أن الأيام المعلومات هي عشرُ ذي الحجة، منهم: ابن عمر، وابن عباس. وكذلك بيَّنتِ السُّنة المطهرة فضلَ العشر في عدَّة أحاديث منها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد لها بأنها أفضل أيام الدنيا: فعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أفضل أيام الدنيا أيام العشر - يعني عشر ذي الحجة- قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: ولا مثلهن في سبيل الله، إلا رجل عفَّر وجهه بالتراب)). [رواه البزار وابن حبان وصححه الألباني]. وَمِمَّا جعل لتلك الأيامِ العشرِ هذا الفضلَ الكبيرَ اشتمالُها على عدة عبادات وطاعات عظيمة:  أن فيها يوم عرفة: ويوم عرفة يوم الحج الأكبر، ويوم مغفرة الذنوب، ويوم العتق من النيران، ولو لم يكن في عشر ذي الحجة إلا يوم عرفة لكفاها ذلك فضلًا، وقد تكلمنا عن فضل يوم عرفة وهدي النبي صلى الله عليه وسلم فيه في رسالة (الحج عرفة).  • أن فيها يوم النحر: وهو أفضل أيام السَّنَة عند بعض العلماء، قال صلى الله عليه وسلم: ((أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر)). [رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني]. • اجتماع أمهات العبادة فيها: قال الحافظ ابن حجر في الفتح: "والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي: الصلاة، والصيام، والصدقة، والحج، ولا يتأتَّى ذلك في غيره". فينبغي على المسلم استقبال هذه العشر بحفاوةٍ بالغةٍ، وأن يُقدِّرها قدرها.  وأجمل ما يبدأ به المسلم لاستقبال تلك الأيام المباركة التوبة الصادقة؛ فعلى المسلم أن يستقبل مواسم الطاعات عامةً بالتوبة الصادقة والعزم الأكيد على الرجوع إلى الله، ففي التوبةِ فلاحٌ للعبد في الدنيا والآخرة، يقول تعالى:((وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) [النور: 31]. • ثم العزم الجاد على اغتنام هذه الأيام: فينبغي على المسلم أن يحرص حرصًا شديدًا على عمارة هذه الأيام بالأعمال والأقوال الصالحة، ومن عزم على شيء أعانه الله وهيَّأ له الأسباب التي تُعِينه على إكمال العمل، ومَن صَدَقَ اللهَ صدَقَه الله، قال تعالى: ((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)) [العنكبوت: 69]. ففضل العمل فيها عظيمٌ كما وضَّح رسولنا الكريم، جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من أيامٍ العملُ الصالحُ فيها أحب إلى الله من هذه الأيام - يعني أيام العشر - قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء)). [رواه البخاري]. البعد عن المعاصي في تلك الأيام لعظمة الذنب فيها، فهي من الأشهر الحرم، فكما أن الطاعات أسبابٌ للقُرْب من الله تعالى، فالمعاصي أسبابٌ للبُعد عن الله والطرد من رحمته، وقد يُحرَم الإنسان رحمةَ الله بسبب ذنبٍ يرتكبه؛ فإن كنتَ تطمع في مغفرة الذنوب والعتق من النار فاحذر الوقوع في المعاصي في هذه الأيام وفي غيرها. ومَن عرف ما يَطلبُ هان عليه كلُّ ما يبذلُ. فاحرص أخي المسلم على اغتنام هذه الأيام، وأحسِن استقبالها والعمل فيها؛ فهي حصاد العام، فأحسن الختام قبل أن تفوتك تلك النفحات الربانية فتندم، فالأعمار معدودة، والأيام التي تمضي لا تعود إلى يوم القيامة،  فينبغي علينا أن نودع فيها الخيرَ ونجنبها كل شرٍّ.  •اللهم وفِّقنا لما فيه رضاك وجنتك، ويسِّر لنا ما ينفعنا في الدنيا والآخرة، اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان واجعلنا من أهل الصلاح والفلاح في الدنيا والآخرة. اللهم آمين.