11 سبتمبر 2025
تسجيلالإسلام هو دين المرحمة، والرسول صلى الله عليه وسلم هو رحمة مهداة للبشرية، بعث ليتمم مكارم الأخلاق، وهذا ما ميز الرسول الكريم في السلم والحرب، وفي السراء والضراء، لأنه كان على خلق عظيم، كما وصفه الله تعالى في محكم التنزيل. وقد ربى أصحابه على هذه الخلال والخصال الطيبة، وكان خليفته من بعده أبو بكر الصديق رضى الله عنه ترجمة لما تعلمه من الرسول الكريم، ويكفي وصيته للجيش الإسلامي الذي وجهه لفتح بلاد الشام، وجاء في هذه الوصية لجنود الإسلام: "يا أيها الناس، قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عنى: لا تخونوا ولا تغلوا، ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاةً ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمآكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع؛ فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له، وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام، فإن أكلتم منها شيئاً بعد شئ فاذكروا اسم الله عليها. وتلقون أقواماً قد فحصوا أوساط رؤوسهم وتركوا حولها مثل العصائب، فاخفقوهم بالسيف خفقاً. اندفعوا باسم الله، أفناكم الله بالطعن والطاعون". وهي وصية جامعة مانعة لم تترك بابا للخير إلا وفتحه ولم تدع بابا للشر إلا وأغلقته. وقد سار الخلفاء من بعده على سيرته حتى فتحت أبواب الفتن وكثر الهرج وسفك الدماء، حتى وصل الأمر إلى عصرنا الحاضر الذي كثر فيه استباحة الدماء بطريقة لا يقبلها الإسلام ولا يقرها الشرع، وعلى العكس من وصية أبي بكر الصديق رضى الله عنه فإن السائد اليوم هو الخيانة والغدر والغل والتمثيل وقتل الصغير والكبير واستحياء النساء، وتدمير المساجد، مما يعبر عن حالة من الانهيار الأخلاقي والديني عند بعض من يتشدقون ويزعمون أنهم يدافعون عن الدين. استهداف المساجد والحسينيات والكنائس وحتى المعابد اليهودية عمل لا أخلاقي وينم عن الدناءة وانعدام الضمير، فهذه الأماكن ليست موضوعا للحرب ولا للعدوان، حتى وإن كنا لا نقبل عقائد المسيحيين واليهود وغيرهم من الديانات، وهي أماكن تحظى بالحصانة الكاملة بنص وصية ابي بكر الصديق رضي الله عنه. المصيبة الكبرى أن نفرا مما يدعون ويزعمون انهم يقاتلون في سبيل الله يستهدفون المصلين في بيوت الله، وهذه جريمة نكراء مهما بلغت درجة الخصومة بين هذا الطرف وذاك، وهذا ما يلقي ظلالا كثيفة من الشك على منهجية وتفكير هؤلاء النفر ممن يهاجمون المساجد ويفجرون أنفسهم داخلها لقتل المصلين، ولعل آخر الحوادث الدامية هي استهداف مسجد قوات الطوارئ السعودية في مدينة أبها، وهو التفجير الذي قتل 17 شخصا وجرح كثيرين غيرهم، أثناء أدائهم لصلاة الظهر. لا يوجد مبرر في العالم يسمح ويعطي الشرعية لأي كان أن يفجر أشخاصا أثناء سجودهم لله تعالى، مهما بلغت درجة الخصومة والعداء، فهناك أخلاق وأخلاقيات، وهناك ضوابط شرعية للحرب والخصومة والعداء، ولهذا فإن قتل المصلين في المسجد، حتى ولو كانوا جنودا، عمل إجرامي إرهابي، لا يمكن تبريره شرعيا وعقائديا وفكريا وأخلاقيا وحضاريا، وهو ما يضع منفذ هذا التفجير الانتحاري والجهة التي تقف خلفه في دائرة الشك والاتهام. ومن هنا فإن إعلان تنظيم الدولة الإسلامية تبني الهجوم الانتحاري في مسجد أبها، يقدم دليلا إضافيا على انحراف العقيدة والتفكير عند هذا التنظيم الغامض الهلامي، وهو انحراف يترجم إلى حالة من التوحش وسفك الدماء والقتل والاغتيال، بطريقة همجية بربرية فيها كل صفات الغدر والغل والإساءة للإسلام وعقيدته السمحة. وهو ما ينبغي التصدي له دينياً وفكرياً وثقافياً، والانفتاح على المجتمع ووضع موازين العدل والابتعاد عن الظلم والدكتاتورية واحتكار السلطة والثروة، وإشاعة الحرية والعدالة والكرامة للانسان، فهذه هي العناصر الأساسية المطلوبة للتصدي للفكر المنحرف وتجفيف حواضنه الاجتماعية والثقافية قبل التفكير بالحلول الأمنية التي أثبتت فشلها، فالحلول الأمنية والعسكرية وحدها لا يمكن أن تكون قادرة على التصدي لانتحاريين رؤوسهم محشوة بديناميت من "الأفكار المتفجرة".