13 سبتمبر 2025
تسجيلمرة أخرى يضرب الإرهابيون وطننا في القلب بجريمة وحشية استهدفت شبابا من جيشنا الوطني الجمهوري الباسل الحارسين لحدودنا والحماة لأمن إخوانهم الأبرياء في جبل الشعانبي فارتكب المجرمون مذبحة لم نعرف وحشيتها من ذي قبل وقتلوا ثمانية من أبنائنا في كمين غادر أرادوا به أن يروعونا جميعا ويحولوا الفضاء السياسي إلى فضاء دموي وذلك بعد أن اغتيل شهداء من بين خيرة زعماء الرأي في تونس أمثال لطفي نقض وشكري بلعيد والحاج محمد البراهمي. هؤلاء الذين يروعون الشوارع الآمنة ويزرعون الحقد ويدمرون العمران ويبيدون الحضارة ويفوتون على بلادنا فرصة السلام والتقدم والحريات. مرة أخرى يرتكبون جريمة جبانة لا ضد الأبرياء الضحايا أو ضد شعبهم فقط، بل ضد المسلمين أينما كانوا وضد الإسلام ومجده وتاريخه وشعوبه ومصالحه، هذا إذا أثبتت الأبحاث أن القتلة ينتمون إلى تيارات دينية متطرفة وليس من المستبعد أن تتحرك قوى خفية من جهات مشبوهة لبث الرعب تحت ستار التطرف الإسلامي إمعانا في الفتنة وفي عملية إخفاء المجرمين الحقيقيين عن المحاسبة والانكشاف. لكن مهما كان القتلة وكان محركوهم أو المستفيدون من جرائمهم فإنهم يقدمون للعالم تبريرات لإلغائنا بعد الربيع العربي من فلك التقدم والديمقراطية والعدالة بدعوى أن الإسلام والإرهاب شقيقان وأن العنف والعرب شيء واحد ! والأخطر الإيحاء بأن العرب غير مؤهلين لنظام ديمقراطي حداثي سليم وهو ما يتيح للقوى الاستخرابية الجديدة النادمة على التفريط في مواقع أقدامها في بلادنا العودة بأشكال مبتكرة ومتطورة لإعادة استخرابنا ونهب ثرواتنا وفرض ثقافتها ولغتها علينا. إن الأيدي الخفية كثيرة وأصحاب المصالح المشبوهة لا يرضون لنا جميعا لا حرية القرار ولا سيادة الخيار ولا سلام الإخوة الأحرار. ما الذي يبرر قتل جنود من خيرة شباب تونس بطريقة أبشع مما يتخيل عقل أو يتصور فكر بعد أن خرجوا في ظلام الليل وسط الأحراش يؤدون واجب الوطن وهم من أبناء الشعب العاديين لا يمكن تصنيفهم ضمن معتدين أو غاصبين، بل لعل أغلبهم ممن ينتقدون حكوماتهم أو يعارضون سياساتها أو حتى يتظاهرون ضدها في مجتمعاتهم الحرة ! وعلى كل فهؤلاء الشهداء الأبرار هم إما آباء لأطفال صغار يتمتهم يد الغدر أو يعدون لحفل زفافهم بعد العيد فكانت الفاجعة المروعة منذ أيام هزت الضمائر وحرمت 12 مليون تونسي من إفطار هنيء أو استقبال عيد الفطر القادم بما يستحقه من فرحة أسرية، بل قلبت هذه الجريمة النكراء موازين حياتنا السياسية وزلزلت الأرض التونسية من تحت أقدامنا. وتذكرنا أن الأمم يبتليها الله سبحانه كما يبتلي الأفراد، بل إن رسولنا الكريم وخاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم كاد ييأس من النصر في إحدى الغزوات لكثرة المشركين فنزلت الآية 214 من سورة البقرة قوله تعالى: "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب". فقد صور القرآن هنا بشكل رباني ساحر وعجيب حالة المجاهدين وراء رسول الله ينشرون الدين الحنيف ويرفعون رايته فوصف بلوى هؤلاء الرواد الأبرار بالبأساء والضراء والزلزال ووصف موقف الرسول الأعظم بالاقتراب من اليأس حين قال: "متى نصر الله"، فجاء الجواب من رب العالمين: "ألا إن نصر الله قريب". صدق الله مولانا العظيم. إن العبرة من هذه الآية المجيدة أن الأمم تواجه منذ قرونها الأولى أعتى المحن فتصمد وتصبر وتجاهد ونتمنى أن يكون شعبنا التونسي إزاء هذه المحنة أقوى وأصلب عودا وأشد تلاحما وأكثر تمسكا بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها. ولهذه الرسالة السامية دعا حزب الاتحاد الوطني الحر كافة التوانسة لتأجيل خلافاتهم الدستورية والسياسية المشروعة إلى حين والالتفاف حول الوطن ونصرته والذود عنه بقلب رجل واحد وبكلمة سواء بين كل الفرقاء من أجل توافق استعجالي ينقذ البلاد من المؤامرات العديدة القديمة منها والجديدة التي تهدد أمننا ومستقبل عيالنا لا قدر الله. ما الذي يفسر ظاهرة الإرهاب الأعمى الذي لا يفرق في جرائمه بين مذنب وبريء، فيقتل هذا أو ذاك من باب الترويع وبث الفوضى، وهو قتل النفس بغير حق واعتبره الله تعالى في القرآن كقتل الناس جميعا وهي كبيرة الكبائر! ما الذي يدفع بشرا أسوياء إلى الفوضى وبذر الفتنة بين مواطني بلاد واحدة تعودت على التعايش وتقاسم السراء والضراء بلا طوائف وبلا ملل ولا نحل تحت شعارات فوضوية تلبس أحيانا قناع الأيديولوجيا وأحيانا قناع الدين، والدين براء مما يعملون. هؤلاء الذين زينوا لأنفسهم أو زين لهم دعاتهم بأن الجهاد هو قتل الأبرياء ليسوا إلا ضحايا مغرر بهم ولكن من أوكد واجباتنا اليوم أن نشخص هذا الداء ونرجع إلى مسؤولياتنا نحن في الفشل الذي منينا به حين انسلخنا عن قيمنا واستنسخنا تجارب الغرب في أحوالنا الشخصية وثقافتنا ومعمارنا ولغتنا. فلنعتبر أن ثورتنا الحقيقية هي حضارية أو ستفشل، أي أننا مدعوون لإعادة النظر في ما نسميه نمط الحياة حتى يكون النمط المنشود خلاصة تناصحنا ووفاقنا بدون إقصاء. هل كتب علينا أن نكون في زمن العولمة والاتصال وحوار الحضارات كأننا العدو المتربص بالإنسانية والعضو الغريب المزروع في جسد البشرية الذي يجب استئصاله! هل نرضى بأن يطردنا العالم من دائرة التاريخ ونتحول إلى أجسام كالطحالب الشريرة لا نستحق حتى اسم البشر، لأن البعض النادر من شبابنا ضل الطريق واختار الفوضى واعتنق الإرهاب ! والله سبحانه من وراء القصد.