13 سبتمبر 2025

تسجيل

ليلة لم ينم فيها العالم!

09 يوليو 2022

في ليلة 15 يوليو/تموز 2016 شعرتُ أن قلوب العالم الإسلامي بل والأحرار في كل مكان كانت معنا، لم تتحول عيونهم عن شاشات القنوات الإخبارية متابعة لوقائع الانقلاب الدموي الغاشم. في تلك الليلة تعرّت وجوه، وانكشفت نوايا، وظهرت مواقف، بعضهم لم يصمد حتى يرى نتائج الفشل، فتورط في مواقف وتصريحات مشينة، من الصعب أن تُغسل أو أن تُمحى، أو تنساها الامة التركية العظيمة. لم أفقد يقيني في تلك الليلة بفشل أشباح الظلام، وأن الذين تسللوا إلى الشوارع بالسلاح الذي دفع ثمنه الشعب التركي من أجل حمايته، كنت متأكدا أن مصيرهم الخيبة والمحاكمات والسجون. كانت الأمة رائعة، والتفاف الشعب والقوى السياسية مجيدا، وفشل الهمجيون فشلا ذريعا في إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء. سعى الانقلابيون إلى تركيع الشعب التركي مجددا تحت حكم عسكري استبدادي، حيث وعى الجميع أن الانقلاب كان يهدف إلى تعطيل حركة التقدم في تركيا. وكانت خططهم ترمي إلى رهن هيبة أنقرة لقوى دولية تعادي دولتنا، لكن الشعب التركي له ذاكرة عصية على الترويض، فالأمس ما زال ماثلا، وجرائم الحكم العسكري تركت بصماتها على خزان بشري هائل من الاتراك ما بين معتقل وشهيد ومطارد ومفصول من العمل. الشعب لم ينسَ جرائم الحكم العسكري. ورصيدنا من الأحرار كاف جدا لصد محاولات تكرار تلك المأساة، فقد واجهنا مدرعات الانقلابيين بصدور عارية وعقيدة لا تلين، وغاصت الآليات الانقلابية في طوفان الرفض البشري، وتم طردها من الأماكن التي ربضت فيها عنوة. ولمن لا يعرف فنحن أمة تعيد اكتشاف نفسها أمام كل تحد، وترى في المحن فرصة مثلى لأن يفهم العالم معنى الفرد التركي الصلب المتفاني في وطنه، وفرصة كذلك كي يعرف خطورة ذلك التنظيم الارهابي، برئاسة فتح الله غولن الذي لا يزال يعيش في الولايات المتحدة في منفى اختياري، والذي تورط في كل هذه المآسي. لم يكن الشعب وحده في تلك الملحمة، بل كانت خلفه قوات من الشرطة الخاصة، وأجنحة كثيرة في الدولة، كانت على أتم الاستعداد أن تقدم حياتها في سبيل إفشال تلك المحاولة الغاشمة. أما الرئيس الطيب أردوغان، فقد أثبت أنه رجل الساعة، فقد كان ملهما بثباته المدهش، وإصراره أن يكون حاضرا في قلب العاصفة، وأن تحط طائرته في لحظات حرجة على أرض إسطنبول. كان الرئيس يريد أن يقول: إن الأمة التركية ماضية نحو قدرها في الحرية والأمل. وكانت توجيهاته هي المقاومة في كل مكان، المقاومة وعدم الاستسلام، وأصر أن يقود شعبه وأن يكون في المقدمة. كانت قدراته الذهنية والعصبية في أعظم حالاتها. قد كان أداء القوى السياسية والنخب الوطنية، على مستوى الحدث، توالت التصريحات الرافضة للانقلاب، وأشهرت المواقف المبدئية، فقد وعى الجميع الدرس، وأن الحكم العسكري الانقلابي، لا يستقر له قرار إلا بتشتيت الشعب، وتفتيت اللحمة، وتفريغ المجال العام من السياسة والسياسيين، وأنه ربما يميل الانقلابي الى هنا أو هناك، ولكنه في جوهره لا يدور الا حول نفسه، وأول من يدفع الثمن من أعانه وصدق بياناته الكذوبة، وتاريخ الانقلابات مليء بتلك المأساة. الكثير من الأصدقاء في العالم الإسلامي كانوا يحدثونني عن لحظات إحباط عاشوها مع وقائع الانقلاب، خصوصا مع سياق التغطيات المتحيزة، حيث صدّق بعضهم الدعايات السوداء، وأنه لا أمل! لكن فشل الانقلاب جعل الكثير من الشباب يؤمن بجدوى الديمقراطية والنضال السلمي، وأنه مهما كان الإحباط والواقع السيئ يجب ألا نتخلى عن تلك المبادئ. وفي هذا الإطار نتذكر الموقف الإنساني والأخلاقي لصاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، الذي أصر أن يتواصل في تلك الساعات الحرجة، مع الرئيس أردوغان ويبدي له عميق دعمه ومساندته للشعب التركي، وكذلك للشعب القطري الاصيل الذي عبر عن دعمه ووقوفه بجانبنا. إن تركيا سعت أن تكون في موضعها المقدور، وهذا مزعج للبعض، ولكننا لن نتزحزح عن أحلامنا، ستواصل أمتنا دعم الأصدقاء، ولن تتأخر في أن نكون الروح المعطاء، تركيا قدمت نموذجا في إرثها المجيد، حينما وسعت المضطهدين من كل مكان، وهي الآن لا تقل مروءة وقدوة في دعم المظلومين، أما رايتنا الحمراء، فهي مصونة ومكرمة فوق الهامات. وسنظل نردد مع شاعر تركيا العظيم محمد عاكف أرصوي لا تخف، لن تخمدَ الرايةُ الحمراءُ في شفقِ السماءْ قبلَ أن تخمدَ في آخرِ دارٍ على أرضِ وطني شعلةُ الضياءْ إنها كوكبٌ سيظلُّ ساطعا فهي لأمتي الغراءْ إنها لي ولشعبي دون انقضاءْ سفير الجمهورية التركية في دولة قطر