14 سبتمبر 2025
تسجيلحين تستجمع الأمة التركية ذاكرتها الجماعية، ستظل ليلة 15 يوليو 2016 لها الصدارة في التاريخ المعاصر للجمهورية التركية، فهي بلا شك حدث استثنائي رسم مستقبل البلاد والعباد. في تلك الليلة، شعرتُ بأن قلوب العالم الإسلامي بأكملها والأحرار في كل مكان كانت مع الشعب التركي ولم تفارق شاشات التلفزيون لمتابعة وقائع المحاولة الفاشلة للانقلاب الدموي الغاشم والذي نفذته منظمة "فيتو" (FETÖ) وزعيمها فتح الله غولن الهارب في بنسلفانيا بالولايات المتحدة منذ أكثر من 20 سنة. لقد تسبب هذا الهجوم الغادر على شعبنا في سقوط 251 شهيدا وأكثر من ألفي جريح. لن تنسى الأمة التركية العظيمة الجرائم التي ارتكبها الانقلابيون في تلك الليلة، والتي لم أفقد يقيني فيها بفشل مخططات أشباح الظلام، ممن تسللوا بالسلاح الذي دفع ثمنه الشعب التركي لاقتراف الخيانة، وكنت متأكدًا أن مصيرهم سيكون الخيبة والمحاكمات والسجون. حاول الانقلابيون تركيع الشعب التركي وإرجاعه مجددًا تحت حكم عسكري استبدادي، ولكن الجميع عرف أن هذا الانقلاب يهدف إلى تعطيل حركة التقدم في تركيا، وكانت خططهم ترمي إلى إضعاف أنقرة أمام قوى دولية تعادي بلدنا، ولكن الشعب التركي لديه ذاكرة عصية على الترويض ورصيد كافٍ من الأحرار لصد محاولات تكرار تلك المأساة، وجرائم الحكم العسكري تركت بصماتها على خزان بشري هائل من الأتراك ما بين معتقل وشهيد ومطارد ومفصول من العمل. واجه الشعب التركي مدرعات الانقلابيين بصدور عارية وعقيدة لا تلين، وغاصت آليات الانقلابيين في طوفان الرفض البشري، وطُردوا من الأماكن التي ربضت فيها دباباتهم عنوة، وأظهرت الأمة التركية كيف أنها تعرف التصرف في المحن، وترى فيها فرصة مثلى لتظهر للعالم شجاعتها واستماتتها في الدفاع عن وطنها. لم يكن الشعب التركي وحده في تلك الملحمة الخالدة، بل كانت خلفه قوات من الشرطة الخاصة، وأجنحة مختلفة في الدولة، وكان فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان رجل الساعة في تلك الليلة، فقد ظهر بثباته المدهش وإصراره على التواجد في قلب العاصفة، وحطت طائرته في لحظات حرجة على مدرج مطار أتاتورك في إسطنبول. كان الرئيس أردوغان يُريد أن يُثبت أن الأمة التركية ماضية نحو قدرها في الحرية والأمل، وكانت توجيهاته التي أعطاها لشعبه المقاومة في كل مكان، المقاومة وعدم الاستسلام، وأصر أن يقود شعبه وأن يكون في المقدمة. تواصلت التصريحات الرافضة للانقلاب من قبل القوى السياسية والنخب الوطنية ليكون أداؤها على مستوى الحدث، وصارت المواقف المبدئية معروفة للجميع. وقد أدرك الجميع الدرس الذي يتعلق بأن الحكم العسكري الانقلابي لا يستقر إلا بتشتيت الشعب وتفتيت اللحمة، وتفريغ المجال العام من السياسة والسياسيين. ورغم أن الانقلابيين ربما يميلون إلى هنا وهناك، فإنهم في جوهرهم لا يدورون إلا حول أنفسهم، ويتحمل الأشخاص الذين يؤيدونهم ويصدقون بياناتهم الكاذبة أولًا تبعات قراراتهم، وتاريخ الانقلابات مليء بتلك المأساة. واليوم بعد مرور 7 سنوات على هذه اللحظات العصيبة، فطن الشعب مرة أخرى لخطورة من يريدون أن يحصلوا عبر صناديق الانتخابات ما لم يستطيعوا الحصول عليه بصناديق الذخيرة، فاستقامت صفوف مواطنينا في طوابير الانتخابات النيابية والرئاسية التي عزز الشعب فيها ثقته بقيادته السياسية، وعلى الرغم من الزلزال المدمر الذي مثّل بحق كارثة العصر، إلا أن مواطنينا في هذه المناطق جددوا الثقة في الرئيس رجب طيب أردوغان، وهكذا تعبر بلادنا إلى القرن التركي والمئوية الجديدة مدعومة بحكومة قوية واستقرار سياسي ورؤية اقتصادية واقعية وشفافة. إن حكومتنا تولي الاقتصاد وتحسين الظروف المعيشية لمواطنينا أهمية مطلقة، لذلك تواصل الكابينة الجديدة العمل ليل نهار لخفض التضخم وزيادة الإنتاج وتعزيز فرص الاستثمار الأجنبي. تسعى تركيا دائمًا لأن تكون في موضعها المقدور، وهذا يُزعج البعض، ولكننا لن نتخلى عن أحلامنا. ستواصل أمتنا دعم الأصدقاء، وسنظل الروح المعطاءة. قدمت تركيا نموذجًا في إرثها المجيد، وسعت إلى دعم المضطهدين والمظلومين في كل مكان، وهي الآن لا تقل مروءة وقدوة في دعم المظلومين، ورايتنا الحمراء مصانة ومكرمة فوق الهامات. سنظل نردد مع الشاعر التركي العظيم محمد عاكف أرصوي: "لا تخف، لن تخمدَ الرايةُ الحمراءُ في شفقِ السماء.. قبلَ أن تخمدَ في آخرِ دارٍ على أرضِ وطني شعلةُ الضياء.. إنها كوكبٌ سيظلُّ ساطعًا فهي لأمتي الغراء.. إنها لي ولشعبي دون انقضاء.."