15 سبتمبر 2025

تسجيل

فتنة المال (1)

09 يوليو 2015

ليس ثمةَ فتنةٌ أفسد لدين المرء، وأضرُّ شراً، وأشدُّ عُسراً عليه، من فتنة المال، هكذا سماه الله تعالى في القرآن، فقال: (إنما أموالكم وأولادكم فتنةٌ)، بل هو فتنة أمة محمد عليه الصلاة والسلام، كما في الحديث الصحيح: (إن لكل أمةٍ فتنة، وفتنةُ أمتي المالُ)، وقال في حديث آخر يوضِّح صورة هذه الفتنة، وكيف تكون، وكيف تُتّقى: (إن هذا المال، خَضِرةٌ حُلْوةٌ، فمن أخذه بحقه، ووضعه في حقه، فنِعْم المعونةُ هو، ومن أخذه بغير حقه، كان كالذي يأكل ولا يشبع)، وفي رواية أخرى للحديث: (فمن أخذه بطيب نفس، بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف - أي بتطلُّع وطمع - لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خيرٌ من اليد السُّفلى).إذن فالشر الذي قد ينشأ عن المال، والضُّر الذي قد يأتي منه، ومن ثَم ما يقع عليه من الذم، لا يكون لسببٍ في ذات المال، ولكن كما قال العلماء: إنما يقع الذم لمعنى من الآدمي، وذلك المعنى إما شدة حرصه، أو تناوله من غير حِلِّه، أو حبسه عن حقه، أو إخراجه في غير وجهه، أو المفاخرة به.ومعنى تسمية الله تعالى للمال والولد في الآية بالفتنة، أي اختبار وابتلاء للعبد من الله، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه، والفتنة في اللغة: الاختبار والامتحان، ويقال فَتَن الذهب إذا أدخله النار لينظُرَ ما جَوْدته، فهو مفتون أي ممتحن، ومنه قوله تعالى: (أحسِب الناسُ أنْ يُتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يُفْتنون)، فهل يَعصي العبدُ ربَّه، في سبيل محبته لهما؟. ويقدِّمهما على محبة الله العظيم، ونبيه الكريم؟ فيحملاه على منع حق الله، أو يدفعاه على كسب الحرام، وارتكاب النواهي، وهل يُشْغلانه عن الطاعات وأمور الآخرة؟ ويملآن قلبه هماً، وعقله فِكراً، يُلهي عن ذكر الله تعالى؟ وهو أمرٌ تَعُمُّ به البلوى وضربةُ لازب، لا يكاد ينجو منه أحد، وفي الآخرة لن يغنيَ عنه ماله من الله شيئا، قال تعالى: (ما أغْنى عنّي ماليه)، ولن ينفعه أولاده ولا أحدٌ من أرحامه يوم القيامة، (لن تنفَعَكُم أرحامكم ولا أولادكم)، لذلك نهى الله عباده المؤمنين عن هذا، فقال تعالى سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا لا تُلْهِكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكرِ الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون)، وقبل كل ذلك، يشكر الله على رزقه، ويحمده على فضله، ويبوء له بالمنّة، بأن أعطاه المالَ والولدَ، فغيره كثيرٌ محروم منهما.فإن لم يوفق في تلك الأمور، ويكن له من نفسه العونُ والظهير، مع الاستعانة أولاً وأخيراً بالله القدير، ولم يحذر مَغَبّة محبة ماله وولده الشديدة، ويحذر طاعة نفسه والشيطان فيهما، وطاعة كل ما يحب ويهوى، فهو له في الحقيقة عدوٌّ، لقوله جل وعلا: (إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم).