30 أكتوبر 2025

تسجيل

اليمن... هدنة جديدة أم إعادة انتشار؟!!

09 يوليو 2015

بعد أن صنفت الأمم المتحدة الوضع الإنساني في اليمن في المستوى الثالث من الأزمة، وهي الفئة الأكثر حدة، نتيجة استمرار القتال وتفشي الأوبئة والأمراض التي فاقمت معاناة السكان في عدد من مدن البلاد يواصل المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ مشاوراته المباشرة وغير المباشرة في الرياض والكويت ومسقط وأخيرا في صنعاء لإقناع الأطراف المتنازعة وعلى رأسهم الحوثيون وحليفهم الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح لبحث آلية تنفيذ القرار الدولي 2216 القاضي بانسحاب المليشيات من المدن التي احتلوها وسبل إقرار هدنة إنسانية وآليات عمل منظمات الإغاثة، بحيث تستمر الهدنة إلى ما بعد عيد الفطر لضمان دخول المواد الإغاثية والإنسانية للمتضررين، خاصة سكان مدينة عدن وتعز والضالع. لكن هل سينجح ولد الشيخ في مساعيه؟ وما هو الهدف من هذه الهدنة التي يراد التوصل إليها؟ وما هي الترتيبات والآليات التي سيُتفق عليها لضمان استمراريتها؟ هل ستكون الهدنة كسابقتها فرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة الانتشار والتموضع في مناطق جديدة لفرض المزيد من السيطرة على الأرض؟ أم أن هناك قناعة لدى جميع الأطراف بأنها فعلا حاجة إنسانية ملحة؟.يصرح الحوثيون والمقربون من حركتهم التي سموها "أنصار الله" بأنهم سيتعاملون بإيجابية مع أي دعوات لتخفيف الألم وتؤدي إلى رفع الحظر الجوي والبري والبحري بما يكفل دخول كل الاحتياجات من دون قيود، ولكن لابد من تحقيق شروطهم التي من بينها تشكيل حكومة شراكة وطنية من كافة الأحزاب والمكونات السياسية وتجاهل وجود رئيس وحكومة شرعية مقرها الرياض، ويقولون إنهم سيوافقون على تثبيت هدنة إنسانية على أن تلتزم بتنفيذها السعودية وتشرف عليها الأمم المتحدة، لكنهم وفي مقابل كل ذلك يؤكدون أن الهدنة وأي حل شامل لا يمنع من التصدي لعناصر القاعدة لشل قدرتهم على السيطرة والانتشار، فالمقاومة الشعبية التي تقاتل الآن في عدن وتعز والضالع ومأرب أغلبهم من القاعدة والدواعش حسب رأي زعيم الحركة عبد الملك الحوثي.أما الرئيس عبد ربه منصور هادي ونائبه خالد بحاح وأعضاء حكومته فيبدو أن هناك خلافا بدأ يلقي بظلاله على عدد من القضايا، أبرزها أموال الدعم اللوجستي للمقاومة والجيش الموالي للشرعية واتسعت دوائر التنازع إلى قيادات حزبية وعسكرية وشخصيات اجتماعية وقبلية كلها تقيم في الرياض وذلك ربما تكون له انعكاسات خطيرة على الأزمة وتداعياتها وعلى المقاومة الشعبية وبعض وحدات الجيش الموالية للشرعية، قد تجعل المسيطرين على الأرض في وضع أكثر أريحية ليصبحوا الطرف الوحيد القادر على أخذ زمام المبادرة باتجاه إنهاء الحرب لصالحهم أو إطالة أمدها، وهذا ربما يؤدي إلى تغيير مواقف بعض الأطراف الدولية المؤيدة للشرعية، ذلك أنها لا تفضل من منطلق المكاسب السياسية والاقتصادية وضع كل البيض في سلة واحدة، فالمصلحة دائمة والخصوم والأصدقاء متغيرون وهذا ما أدركته مبكرا إدارة أوباما بفتح أبواب خلفية ونوافذ أمامية للحوثيين. وبمعزل عن الخلافات والصراع الخفي في أوساط القوى التي تلتف حول هادي في الرياض لا تبدو المقاومة الشعبية معنية بكل المساعي الأممية والدولية، إذ إنها ترى في الهدنة الإنسانية المقترحة مجرد لعبة جديدة اقترحتها إيران وتبنتها الإدارة الأمريكية وتبذل الأمم المتحدة جهدا لإقرارها وإنجاحها، لأن في ذلك انتشالا لسمعتها بعد الكم الهائل من الإخفاقات، هذا من جهة، ومن جهة أخرى منح الحوثيين وحلفائهم فرصة لأخذ قسط من الراحة والتفرغ للنظر في أسباب الخلاف الذي ربما يتطور إلى مواجهات مسلحة في حال استمر الحوثيون في تنفيذ خطة تعيين أنصارهم في أهم المناصب الحكومية وإقصاء شخصيات محسوبة على حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه المخلوع صالح. وهنا ترى المقاومة الشعبية رغم عدم قدرتها حتى الآن على تحقيق تقدم إستراتيجي أن النصر أصبح وشيكا بفضل تراجع الروح المعنوية للطرف الآخر، والأخبار المتواترة بشأن الاستعدادات الكبيرة للكتائب التي تدربت داخل الأراضي السعودية والتي ستنضم للقتال قريبا، الأمر الذي ربما يحدث تحولا في معادلة الصراع، وهذا ما لا تريد المقاومة الشعبية التفريط به، خصوصا بعد الدمار الكبير والتضحيات الجسيمة التي لا يمكن أن تذهب أدراج الرياح باتفاق سياسي يعيد الجميع إلى النقطة صفر التي تتجاوز بكثير أوضاع ما قبل إقرار نتائج مؤتمر الحوار الوطني الشامل.قوات التحالف التي تقودها السعودية لا تريد أن تدخل في اتفاقات مع الحوثيين وحلفائهم بشأن طبيعة أي تحركات عسكرية وميدانية، سواء في المدن اليمنية أو على الحدود، ولذلك فإنها ربما تتجه إلى إعلان هدنة إنسانية من طرف واحد لفترة قصيرة تختبر من ورائها الرغبة في السلام والانصياع لقرار مجلس الأمن الدولي 2216 لأن لديها قناعة بأن من يسيطرون على صنعاء لا يغردون بعيدا عن توجيهات إيران وهذا يكرس القناعة لدى أي مراقب للشأن اليمني أن أي حل سياسي لن يأتي إلا بتوافق إرادتي الرياض وطهران أولا، ورغبة حقيقية للتعايش والوئام بين أطراف الاقتتال مهما تعددت الخلفيات المناطقية والأيديولوجية والقبلية والمذهبية ثانيا، وبدون ذلك فلن تكون أي هدنة سوى موعد لمزيد من التحشيد والتجنيد وإعادة الانتشار لمضاعفة أعداد الضحايا والنازحين واتساع رقعة الدمار.