31 أكتوبر 2025

تسجيل

واصل لرحمه

09 يوليو 2015

إن الله سبحانه أنزل القرآن الكريم فسلك أبرع أسلوب في دفع النفس الإنسانية إلى ذلك المرتقى العالي الصعب إذ بين لنا عبر آياته البينات، أن الذي أصابه الشح له أن ينتصر لنفسه ويرد عنها شحها ذلك أن جزاء السيئة سيئة مثلها ،ولكنه لم يدع الإنسان الذي أصابه الحيف والبغي من أخيه لعاطفة التشفي والانتصار والانتقام، بل أخذ بيده برفق إلى مرتقى الصبر والغفران والتسامح وأكد له أن بلوغ ذلك المرتقى من عزم الأمور فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين ،فهذه معانٍ قرآنية محكمة من أصول الدين تدل على أخلاقه الإسلامية الأصيلة التي شرعها الإسلام لأبنائه، وحث عليها قبل أن تولد الفلسفة في الفكر الحديث، وهذا هو خلق المؤمن الذي يكون خير البرية بخلقه وعفوه وتعميره وبنائه حيث تضافر الهدي النبوي على تأصيله في نفوسهم، إن المرء الذي امتلأ قلبه بالإيمان يسير على قيم الإسلام وآدابه كما أمر بها، فهو يصوم شهر رمضان ويقوم لياليه طمعا في رحمة الله تعالى التي وسعت كل شيء ،فما تجده في هذه الأيام المباركة إلا باحثا عن رحمه لوصلها والبر معها لأنه يعلم حق العلم أن في صلته لرحمه وفي أدبه مع أقاربه لقربة من أعظم القربات التي يتقرب بها إلى الله ويدرك أن هذا البر والصلة يجلب البركة في الرزق وفي العمر فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه ) رواه أحمد ،فالنفس البشرية بطبيعتها محبة للخير، تعمل على التماس السبل التي تسوق لها السعة في الرزق والبركة في العمر والأجر.والهدي النبوي يخاطب هذه النفس فيرشد إلى طريق السعة في الرزق وكثرته، ووسيلة بلوغ ذلك كله صلة الرحم ولاشك أنها باب خير عميم فيها تتأكد وحدة المجتمعات وتماسكها، وتمتلئ النفوس بالشعور بالراحة والاطمئنان، إذ يبقى المرء دوما بمنجى عن الوحدة والعزلة، ويتأكد أن أقاربه يحيطونه بالمودة والرعاية، ويمدونه بالعون عند الحاجة، وإن البر والصلة يكونان سببا في محبة الناس والثناء عليه وبالمقابل تكون قطيعة رحمه شؤما عليه وبلاء ومقتا له من الله ومن الناس وبعدًا له عن الجنة في دار القرار، فالإسلام في سماحته وإنسانيته يوصي بالمودة بين الأقارب ويحث على صلة الأرحام ،لهذا ينبغي على كل عبد واعٍ أن يكون واصلا لرحمه ،لا تلهيه الدنيا ولا المال ولا الزوجة والولد عن تفقد ذوي رحمه وقرابته وبرهم وإكرامهم ومعونتهم، وهو في ذلك يتبع هدي ديننا الحنيف الذي نظم هذه الصلة وديننا الحنيف حفي بالرحم حفاوة ما عرفتها الإنسانية في غيره من الأديان والنظم والشرائع فأوصى بها ورغب في صلتها وتوعد من قطعها ،وليس أدل على حفاوة الإسلام البالغة بالرحم من تلك الصورة الرائعة التي رسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم للرحم تقوم بين يدي الله في الساحة الكبيرة التي خلق الله فيها الخلق فتستعيذ به من قطيعتها، ويجيبها الله عز و جل إلى سؤلها فيصل من وصلها ويقطع من قطعها . ولقد جاءت آيات القرآن الكريم تترى مؤكدة منزلة الرحم في الإسلام حاضَّة على الإحسان إليها ،وإرهاف المشاعر للإحساس بوشائجها وأداء حقوقها وتوقي هضم تلك الحقوق أو خدشها أو مسها بظلم أو أذى ،محذرة من الإساءة إليها ومن هذه الآيات الكريمة قول الله تعالى : (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام )النساء:1 فقد أمر الله بالتقوى وثنى بالأرحام إعظاما لها وتأكيدا على توقيرها، ثم يمتد البر من ذوي القرابة ويتسع نطاقه وينصب خيره على المحتاجين جميعا في الأسرة الإنسانية الكبيرة ،ثم يشيع في محيط الجماعة في سهولة ويسر وفي تراحم ورضا ومود ة يجعل الحياة حلوة جميلة لائقة ببني الإنسان.