13 سبتمبر 2025

تسجيل

طرف من سيرة الكنافة والقطايف

09 يوليو 2014

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); يتفق المؤرخون على انتماء الكنافة والقطايف إلى الشام، وعلى أنهما قدمتا ـ أول ما قدمتا ـ داخل قصر الحكم، ثم يختلفون في تحديد اسم ومرتبة الخليفة الذي استمتع بأول طبق من خيوط الكنافة الذهبية وكرات القطايف المحشوة بالفواكه المجففة، بعضهم يقول إنه «معاوية بن أبي سفيان»، وبعضهم يقول «سليمان بن عبد الملك»، والصحيح ما قاله «ابن فضل الله» من أن أول من اتخذ الكنافة من العرب معاوية بن أبي سفيان زمن ولايته الشام في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكانت تقدم له في السحور. فمعاوية اشتهر بشهيته المفتوحة، أو بأنه «كان من الأكلة المشهورين» كما يقول «ابن فضل الله» فشكا إلى طبيبه «محمد بن أثال» ما يلقاه من الجوع في صيامه، فوصف له الكنافة، وكان ذلك عام 35 هـ (641 ميلادية). أما القطايف فإن طهاة حلب قدموها لـ «سليمان بن عبد الملك» في خلافته التي بدأت عام 96 هـ (712 م) كما يقول المؤرخ «إبراهيم عناني».والطريف أن «سليمان بن عبد الملك» كان هو أيضاً من «الأكلة المشهورين»، بل لعله أشهر من تروى عن شهيته حكايات أشبه بالأساطير، قال «ابن خلكان» في ترجمته: إنه كان يأكل في كل يوم نحو مائة رطل شامي، وذكر ابن قتيبة الدينوري في «عيون الأخبار» وابن عبد ربه في «العقد الفريد» وأبو الفرج الأصفهاني في «الأغاني»، عن رجل يدعى «الشمردل» كان وكيلاً لآل «عمرو بن العاص»، قال: قدم سليمان بن عبد الملك الطائف، فدخل هو وابنه أيوب وعمر بن عبد العزيز بستاناً لعمرو، ثم قال: ويلك يا شمردل، أما عندك شيء تطعمني؟ قلت: بلى والله، إن عندي جدياً تغدو عليه بقرة وتروح أخرى؛ قال: اعجل به؛ فأتيته به كأنه عُكَّة (العكة: قربة سمن صغيرة) وتشمر فأكل ولم يدع ابنه ولا عمر حتى أبقى فخذاً، وهنا دعا «عمر» الذي اعتذر بأنه صائم؛ ثم قال ويلك يا شمردل، أما عندك شيء؟ فقلت: بلى والله، دجاجات ست كأنهن رئلان (أي صغار) النعام، فأتيته بهن؛ فكان يأخذ رجل الدجاجة حتى يعرى عظمها ثم يلقيها حتى أتى عليهن. ثم قال: ويلك، أما عندك شيء؟ فقلت: بلى والله، إن عندي لحريرة (دقيق يطبخ بلبن) كقراضة الذهب؛ فقال: اعجل بها؛ فأتينه بعس (العس: القدح الكبير) يغيب فيه الرأس، فجعل يتلقمها (يأكلها بسرعة) بيده ويشرب، فلما فرغ قال: يا غلام، أفرغت من غدائنا؟ قال: نعم، قال: وما هو؟ قال: نيف وثمانون قدراً؛ قال فأتني بها قدراً قدراً، فأتاه بها وبقناع (إناء من خوص النخيل) عليه رقاق؛ فأكثر ما أكل من كل قدر ثلاث لقم، وأقل ما أكل لقمة، ثم مسح يده واستلقى على فراشه، وأذن للناس (في الدخول) ووضع الطعام، فجعل يأكل مع الناس، فوالله ما أنكرت من أكله شيئاً. أي أن «سليمان بن عبد الملك» أكل مع الناس كأي واحد منهم بعد كل ما ألقى في بطنه من طعام! ومع التسليم بما تنطوي عليه الحكاية من مبالغة بعيدة عن التصديق، فإنها تشير إلى رجل محب للطعام لا يمكنه الصبر على الجوع، والظاهر أنه لم يكن يطيق أن يبقى بلا طعام في ليالي رمضان الطويلة التي يقضيها في مجلس الحكم، ولهذا ابتكروا من أجله «القطايف» وهي لقم من عجين محشو، يمكن للخليفة أن يتناولها وهو في مجلس خلافته، من غير أن تنتقص هيبته، أو يختل نظام المجلس.