15 سبتمبر 2025
تسجيلفي رمضان الساخن لهذا العام ثمة معطيات عديدة ومتصاعدة لطبيعة وأحوال الصراعات المتفاقمة في الشرق القديم ، وقد كانت للبرامج التلفزية حضور فاعل في الليالي الرمضانية بين برامج ترفيهية تنسي جمهرة المشاهدين جبال الهموم الحياتية والعامة. وقد كان للدراما العربية حضورها الفاعل ، ولكن ثمة مسلسلا لربما لم يلفت إنتباه الكثيرين كان له تواجده الملموس ولا أعتقد بأن هذا المسلسل يحظى بمتابعة واسعة من العوائل العربية بسبب موضوعه المعقد والغريب ضمن خارطة البرامج الرمضانية ، فمسلسل ( صديق العمر ) الذي هو نفسه مسلسل ( الرئيس والمشير ) يتحدث عن أكثر مراحل التاريخ العربي المعاصر تداخلا وأحلاما وتخبطا ، إنها مرحلة المد القومي الممتدة من أواخر خمسينيات القرن الماضي وحتى السبعينيات منه ، وهي المرحلة التي شكلت صياغة الواقع العربي وأسست لشكل وطبيعة النظام العربي. في مسلسل صديق العمر عرض لصورة العلاقة الخاصة والحميمية بين الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وصديقه وقائد جيوشه والرجل الثاني في نظامه المشير عبد الحكيم عامر ، وهي علاقة طبعت وميزت مسيرة نظام 23 يوليو 1952 التي أسقطت النظام الملكي المصري ورسخت من أقدام العسكر في مسارب السلطة، أولئك العسكر الذين زحفوا على كل مناحي الحياة المصرية بدءا من الرئاسة الأولى مرورا بالوزارات السيادية وتوزيع سيارات (نصر) والإشراف على الأراضي والقصور المصادرة من باشوات مصر وأعيانها ، وليس إنتهاء بنوادي كرة القدم! ، حتى تحولت مهنة الضابط لحلم في خيال العذارى! .في ظل تلكم الظروف بنى عبد الناصر نظاما حديديا مشبعا بالدعايات القومية وكانت ظروف سوريا الداخلية والصراعات الحزبية والطائفية تحتاج لاحتضان خاص ولمعالجة متميزة ، فكانت تجربة الوحدة الإندماجية عام 1958 و التي كانت تجربة مستعجلة لم تراع خلالها المعايير الديمقراطية بل كان الحماس العفوي والهروب من صراع الضباط السوريين هو الدافع للوحدة التي صورها إعلام النظام الناصري بأنها الوحدة التي ما يغلبها غلاب! ، وسط ذلك الصراع ركز المسلسل ومن خلال أسلوب الفلاش باك على العلاقة بين الرئيس والمشير، فعبد الناصر الذي أبعد كل رجال مجلس الثورة عن الجيش وأسند لهم مناصب مدنية إستثنى منهم صديقه الحميم الرائد عبد الحكيم عامر الذي رفعه لرتبة لواء ثم لمشير (مارشال) في إنتهاك فظ للتراتبية في الترقيات العسكرية وأراده عينا له على الجيش كان يهدف للسيطرة على المؤسسة العسكرية ومنع الانقلابات العسكرية ، إلا أن المشير وقد أخذته أجواء السلطة وهيلمانها خرج عن النص بعد أن أحاطت به شلة من الأصحاب والمحازبين شكلوا مركزا مهما من مراكز القوى المتصارعة على السلطة والنفوذ تضم الجيش والمخابرات وهي المجموعة التي عرفت بـ ( شلة المشير) التي أحاطت به ووجهت مسار تصرفاته في ظل نظام أمني واستخباري كان فيه الجميع يراقب الجميع، وكانت لغة الشعارات هي العالية بينما كان الفشل سيد الموقف في جميع المجالات، لقد فشلت تجربة الوحدة المصرية/ السورية في عام 1961 ولم تتحقق بعدها أي وحدة جدية حقيقية حتى اليوم، كما فشلت تجربة البناء الإشتراكي، وفشلت عملية بناء الجيوش على أسس احترافية، وتهاوى كل البناء التراكمي لنظام عبد الناصر بعد شهور من رحيله عام 1970 وسقطت مراكز القوى الناصرية في مايو 1971 ، كما أن المشير عامر نفسه بعد فشله في حرب السويس 1956 ثم في إدارة تجربة الوحدة عام 1961وصل لنهاية المطاف في حرب الأيام الستة في 1967 وحيث انهار الجيش المصري في ست ساعات لتنهار جميع الأحلام والرؤى في لحظات وليشتعل الصراع الداخلي المؤجل وليتم الانقضاض على المشير وجماعته بعد طول تردد وانتظار لمساومات وتنازلات تبعد المشير عن المؤسسة العسكرية وتحوله لمنصب مدني ( نائب الرئيس )! أي أن عبد الناصر كان مستعدا لتجاوز أخطاء المشير أيضا لو أنه خضع لإرادته وقبل بالتخلي عن قاعدته العسكرية!!.. المسلسل صعب جدا لكونه يحاول إرضاء الجميع و يبيض صفحات الجميع ولا يضع المسؤولية على طرف محدد بل يتركها للظروف!!.. وتلك معضلة عربية حقيقية في تحديد مسؤولية الهزائم وفي وضع النقاط على الحروف!!.. الجيل العربي الحالي لا يعرف شيئا عن الصراع بين الرئيس والمشير، والمسلسل يخاطب نخبا ثقافية وسياسية تعرف الكثير من الملفات التي لم يتطرق لها المسلسل لحراجتها الخاصة جدا، ولا يمكن في النهاية لأي مسلسل تلفزيوني أن يكون مرجعا في كتابة التاريخ، فكيف بكتابة تاريخ مصر الحديث وخصوصا مرحلة ما بعد إنقلاب 1952 الذي غير الكثير من معالم الحياة المصرية والعربية.. الرئيس والمشير (أصدقاء العمر) تعبير فظ عن قسوة السياسة في مستنقع الاستبداد والتسلط.