03 نوفمبر 2025
تسجيلكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثالاً يُحتذى، وأسوة حسنة تُقتدى، في الأخلاق الجليلة، والفضائل النبيلة، بل هو إمام كل خلق كريم، وعَلم كل شيمة حسنة، قال شوقي في همزيته النبوية:يا من له الأخلاقُ ما تهوى العلا منها وما يَتَعشّقُ الكُبَراءُلو لم تُقِم ديناً، لقامت وحدها ديناً تُضيءُ بنوره الآناءُزانتك في الخُلُق العظيمِ شمائلٌ يُغْرى بهنّ ويولعُ الكرماءأتاه رجلٌ، فلما وقف بين يده انتابته رِعْدة، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام:(هوِّن عليك، فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأةٍ من قريش، كانت تأكل القديد)، القديد: اللحم المجففسئلت عائشة رضي الله عنها، هل كان رسول الله يعمل في بيته؟ قالت:(نعم، كان يَخْصِف نعله، ويخيط ثوبه، كما يعمل أحدكم في بيته)، أقول أين رجال اليوم من فعله عليه الصلاة والسلام، في إعانة أهله في البيت، وخدمة نفسه ما دام قادراً مستطيعاً، الذين حال الكثير منهم، يشبه حال الملوك والسلاطين الجالسين على عروشهم، وتحت تيجانهم، أوامر ورغبات.كما كان عليه الصلاة والسلام، يأكل على الأرض، ويعقل الشاة، ويجيب دعوة المملوك على خبز شعير، وعن أنسٍ رضي الله عنه، أنه مر على صبيان فسلم عليهم وقال: كان النبي يفعله. وعنه أيضاً أنه قال: إنْ كان رسول الله ليخالطنا- أي يخالط الصغار- حتى كان يقول لأخٍ لي:(يا أبا عمير، ما فعل النُّغيْر؟) النغير طائر صغير. وعنه أيضاَ أنه قال: كانت الأَمَة من أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله؛ فتنطلق به في حاجتها.كان يقول لأصحابه:(لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله)، وقال رداً على رجل قال له: يا سيدنا وابن سيدنا، ويا خيرنا وابن خيرنا:(يا أيها الناس قولوا بقولكم- أي بلا تكلف ومغالاة- ولا يستهوينَّكم الشيطان، أنا محمد بن عبد الله ورسول الله، واللهِ ما أُحِبُ أن ترفعوني فوق ما رفعني الله عز وجل).هذا وهو من هو عليه الصلاة والسلام، القائل عن نفسه صدقاً وحقاً:(أنا سيد ولد آدم ولا فخر، آدم ومن دونه تحت لوائي يوم القيامة ولا فخر)، عسى الموعظة والعبرة في هذا تبلغ كل من يحب أن يكال له المديح جُزافاً، ويطرب لسماع الإطراء ولو كان باطلا زِيافاً، أو كان هو لا يستحقه، ويستريح لمظاهر الإعظام والإكبار، وربما غضب إن لم تؤدَّ له، أو سعى وراءها، من أجل نيلها.تعلم الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، خلق التواضع من رسول الله عليه الصلاة والسلام، فكان دَأبهم محاسبة النفس وتفقدها، وزجرها عن الكبر، ومحاربة هذا الخلق الذميم فيها، ومنعها عنه، فهذا خليفة رسول الله أبو بكر الصديق، كان يحلب الغنم للنسوة العاجزات، وللفتيات القاصرات، كل صباح، فلمّا وُلّي الخلافة قالت بنات الحيْ: الآن لا يحلب لنا أبو بكر أغنامنا.فبلغ ذلك أبا بكر فقال:(بلى والله لأحلبنّ لكنّ كما كنت أصنع من قبل، وأرجو ألا يغيرني الله عن خلقٍ كنت أعتاده قبل الخلافة)، نعم وربِ البيت، فرجلٌ مثل أبي بكر الصديق، أكبر من أن يغيره الملك والسلطان، ويسلبه المنصب شيئاً من أخلاقه وآدابه الحميدة، وخصاله وعوائده الرشيدة. وكان مما حدث وفيه طرافة ولطافة، أنه رضي الله عنه، قرع باب إحدى دور أولئك النسوة الأرامل، ففتحت الباب فتاة صغيرة، ما إن رأته حتى صاحت قائلةً: إنه حالب الشاة يا أماه. فأقبلت الأم وعرفت أنه خليفة رسول الله أبو بكر الصديق، فقالت والحياء والخجل يغمرها: ويحكِ، ألا تقولين خليفة رسول الله. فقال أبو بكر الصديق بانشراح صدرٍ، وطيب خاطر، وتهلل وجه:(دعيها فإنه أحب ألقابي إليّ، لأنه يقربني من الله).وما هذا ببعيد عن أمير المؤمنين عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه، روي عن طلحة بن عبيد الله، أنه قال: رأيت عمر يدخل بيتاً، فدخلت ذلك البيت، فإذا عجوز عمياء مقعدة، فقلت: ما بال هذا الرجل يأتي هنا؟ فقالت: يتعاهدني بالشيء من الطعام، ويكنس البيت، ويخرج منه الأذى. واتفق لعمر أنه كان إذا جاء تلك العجوز، وجد غيره قد سبقه إليها فأصلح ما أرادت، فرصده عمر، فإذا هو أبو بكر الذي يأتيها، وهو يومئذ خليفة، فقال عمر: أنت هو لعمري. رضي الله عنهما .