11 سبتمبر 2025

تسجيل

البداية عربية

09 يوليو 2012

عندما تحدث الدكتور محمد مرسي الرئيس الجديد للمحروسة في أول خطاب له بعد تنصيبه عن الدوائر الثلاث للسياسة الخارجية المصرية وهي العربية والإسلامية والإفريقية مضيفا إليها الدائرة الدولية أعادني على الفور إلى المنهجية التي حكمت حركة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر في هذا السياق وهو ما كان موضع ارتياح شعبي وترحيب من أغلب النخب الوطنية وإن كانت هناك جيوب تتبنى منظور التشكيك على الدوام وفي الوقت نفسه تواصل العزف على وتر التخويف من جماعة الإخوان المسلمين وقياداتها خاصة بعد أن وصل أحدهم إلى أعلى موقع رفيع المقام في الوطن لكن ما فاجأني به مرسي هو أن تكون الرياض هي أول عاصمة عربية وغير عربية يقوم بزيارتها بعد حوالي أسبوعين من توليه السلطة هي الزيارة التي ستتم بعد غد الأربعاء. شخصيا اعتبرت الخطوة واعدة بالأسلوب الذي سينتهجه الرئيس المصري الجديد في تعامله مع الدائرة العربية التي تشكل أهم دوائر السياسة الخارجية لمصر لاعتبارات تتعلق بعوامل جيوسياسية وتاريخية ودينية فضلا عن التداخل البشري بين مصر وشقيقاتها العربيات ويمكنني القول إن ثمة رسائل مهمة للغاية تبعث بها هذه الزيارة. أولا: للداخل المصري الذي راهن البعض فيه على أن وصول رئيس إخواني للسلطة سيجعل من الصعوبة بمكان التواصل مع الدائرة العربية التي يراها نفر من هؤلاء تتخاصم مع المنظور الإسلامي الذي تعلي من قيمته جماعة الإخوان المسلمين على حساب البعد القومي والبعد الوطني ولكن مرسي بهذه الزيارة يؤكد انحيازه لمصالح مصر التي تتقاطع مع مصالح الأمة العربية والتي تشكل في الأساس الجدار الصلب للأمة الإسلامية. ثانيا: تشكل الزيارة رسالة اطمئنان لدول مجلس التعاون الخليجي والتي حاول البعض أن يثير مخاوفها من وصول قيادي إخواني إلى رأس السلطة في مصر بحسبانه سيكون قاعدة ارتكاز للسياسة الإيرانية في المنطقة على حساب علاقاته معها مشيرين في ذلك إلى تصريحات عن قرب عودة العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وطهران بحكم التوافق في المنظور السياسي للجماعة وإيران في كثير من القضايا الإقليمية غير أن هؤلاء تناسوا عن عمد أن مصر لها ثوابتها القومية والوطنية التي لا يمكن أن تتخلى عنها مهما كانت طبيعة الحاكم ونوعيته وتوجهاته حتى مبارك بالرغم من ارتباطه العميق بالتحالف الصهيوأمريكي على نحو مخيف للدرجة التي وصفه عنده قادة الكيان بالكنز الإسرائيلي لم يكن بمقدوره أن يتخلى عن هذه الثوابت وإن كان أداؤه فيها هشا وضعيفا. وأظن أن ما استمع إليه السفير السعودي بالقاهرة من الرئيس مرسي خلال لقائه به أمس الأول السبت حول أن أمن الخليج يمثل بالنسبة لمصر خطا أحمر وهو جزء لا يتجزأ من أمنها القومي يشكل ردا واضحا على أصحاب الرؤية المشككة في سياسات الرئيس الجديد. وما أستطيع تأكيده بحكم مناقشات أجريتها مع رموز مهمة في الدوائر الدبلوماسية المصرية هو أن إعادة العلاقات مع طهران لن تكون خصما من رصيدها الخليجي على أي وجه من الوجوه فمنطقة الخليج بشعوبها ودولها وخصائصها الإستراتيجية لا يمكن التضحية بها خاصة أن هناك أكثر ما يزيد على ثلاثة ملايين عامل مصري في المنطقة من بينها مليون و650ألف عامل في المملكة العربية السعودية فحسب. بالإضافة إلى ذلك فإن ثمة مصالح مشتركة ومنافع متبادلة على الصعيدين الاقتصادي والاستثماري والتجاري بين مصر ودول مجلس التعاون فمصر في حاجة إلى استثمارات من هذه الدول الصديقة وهي بدورها في حاجة إلى الخبرة المصرية التي تقدمها شركات متخصصة وعناصر نادرة. وقد سألت السفير محمد صبيح الأمين العام المساعد للجامعة العربية في هذا السياق عما إذا كان يعتبر زيارة مرسي للرياض ردا على بعض التقارير التي أشارت إلى وجود قلق خليجي من وصول شخصية تنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين إلى رأس السلطة في مصر فأعرب في لقاء خاص معه عن قناعته بأن دول الخليج لم تبد أي قلق من اختيار الشعب المصري لرئيسه فهو صاحب الحق الأصيل في هذا الاختيار مشيرا إلى أن المملكة العربية السعودية والجامعة العربية تتعامل وفق القاعدة الذهبية التي تقوم على أن من يختاره الشعب هو الشرعي وهو الذي يجب التعامل معه بكل قوة وصفاء مؤكدا أن الرئيس مرسي هو لكل المصريين وليس رئيسا لحزب أو فئة أو تيار وهو يعلم تماما مكانة مصر وموقعها في أمتها وفي العالم وعلى هذا الأساس سيتصرف والشعب المصري خلفه لبناء نهضة مصر وقوتها وتقدمها. ثالثا: تؤكد الزيارة أن ثمة حاجة قوية لاستعادة التنسيق المصري السعودي في هذه المرحلة بالذات التي تواجه فيها المنطقة العربية تحولات نوعية وتكابد بعض المشكلات تستوجب التوافق على محددات الاستقرار الإقليمي المطلوب بإلحاح خاصة أن بعض الأطراف الإقليمية والدولية الطامعة باتت ترى أن المنطقة العربية بلغت حالة يمكن توصيفها عندها بالرجل المريض وهي تقول لهذه الإطراف إنه بالرغم مما يبدو من حالات اضطراب وفوضى في بعض الدول فإنه ليس بمقدورها أن تنال من أمنها ومقدساتها ومقومات قوتها. رابعا: الزيارة – والكلام للسفير محمد صبيح - تنطوي على أهمية خاصة ودلالة خاصة في هذا التوقيت لأنها بوضوح تمثل ردا قويا على هؤلاء الذين يعتقدون أن الأمة العربية أصبحت خارج دائرة الفعل وأن كل دولة عربية مشغولة بقضاياها الداخلية فضلا عن الحديث المتكرر عن الثغرات في العلاقات العربية العربية, وحسب رؤيته فإنها ستؤسس في هذه المرحلة لتعاون جديد بين البلدين يقوم على المصالح العليا لشعبيهما وللأمة العربية وبشكل شفاف وهادف ورصين ومتوازن وذلك باعتبار أن مصر دولة مركزية في المنطقة من حيث موقعها وتراكم حضارتها وما تمتلكه من مصادر قوة والمملكة التي تعد ركنا أساسيا في العمل العربي المشترك وفي السياسة الإقليمية والدولية. كما أنها ستفتح بدون شك صفحة جديدة في المنطقة العربية وستشكل جسما صلبا في الجدار العربي أمام الواهمين والطامعين في الأمة خاصة الذين يحتلون أجزاء من أراضينا ويعتدون على مقدساتنا في فلسطين, فضلا عن ذلك فإنها ستصب باتجاه تعزيز التعاون المصري السعودي في المجالات المختلفة خاصة على صعيد الاقتصاد وعلى صعيد التفاهمات الأمنية خاصة في ظل قيام دول عديدة محيطة بالأمة على التسلح بأحدث الأسلحة وبكميات ضخمة للغاية موضحا أن هذه الزيارة بداية لطريق طويل معبد بالعلاقات التاريخية والمصالح الوطنية ومتطلبات الأمن القومي العربي وتعطي للمواطن العربي ثقة عالية بأن الأمة قادرة على حشد جهودها لمواجهة استحقاقات المرحلة. السطر الأخير: حاولت استعادتك إلى خيمتي البدوية كابدت الرحيل إلى الصحاري وسواحل البلاد تجرأت على سطوة الشمس فتحت سبلا كانت مغلقة مددت عيني لآفاق بعيدة رحت في سبات عميق أوجعني البعاد غابت عني القصائد سافرت المواويل فأنت سرها وكينونتها لك العشق ولي السلامة لك الفضاءات تترقب طلوعك ولي الممالك تنتظر تاجك الذهبي