13 سبتمبر 2025

تسجيل

المحروسة هل تسكن زمن الاستقرار ؟

09 يونيو 2014

ثمة تفاؤل بأن تدخل المحروسة – مصر- زمن الاستقرار مع بداية العهد الجديد الذي يجسده وصول المشير عبدالفتاح السيسي إلى المنصب الرفيع المقام. بعد عملية انتخابية جرت وفق تقارير بعثات المراقبة العربية والإفريقية والأجنبية في أجواء من الشفافية والنزاهة. وإن لم تخل من بعض المخالفات وفق الطعون التي قدمها المرشح المنافس للسيسي حمدين صباحي’ لكنها لم تؤثر على جوهر العملية الانتخابية حسب هذه التقارير.فالمحروسة لم تهنأ بالا منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 بل إن ملامح الحياة فيها تغيرت إلى الأسوأ. بعد أن أجهضت أشواق المصريين التي تولدت عقب هذه الثورة إلى الخبز والحرية والعدالة والكرامة الإنسانية. والأخطر من ذلك أن الانقسام صار هو السمة السائدة لدى النخبة السياسية وبالذات لدى القوى والائتلافات التي انبثقت عن الثورة وثوارها فبتنا أمام مشهد مخيف أسهم سلبيا في التعاطي مع مردود ثورة يناير. وأحسب أن ذلك كان مقصودا من بعض الاتجاهات الموالية لنظام مبارك. وبالذات جماعات المصالح المرتبطة به والتي رأت في رحيله خسارة هائلة وفقدا مريعا لما كانت تحصل عليه من مزايا ومكاسب. خصما من الشعب الذي ظل على مدى ثلاثة عقود أو بالأحرى أربعة عقود. يكابد الحرمان والمرض والجهل والفساد الذي لم يترك موقعا أو شخصية سياسية في صدارة الحكم.وانبثق أمل جديد مع إجراء الانتخابات الرئاسية في 2012 والتي أسفرت عن فوز مرشح جماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد مرسي. ومن قبل حصدت الجماعة الأغلبية في الانتخابات البرلمانية التي جرت قبل ذلك بعدة أشهر ولكن سرعان ما خفت هذا الأمل بعد بروز الصراعات والانقسامات وما أبدته الجماعة من حرص على تكريس هيمنتها على مفاصل الدولة المصرية. دون أن تقترب بشكل حقيقي من أشواق المصريين الذين اشتدت مكابداتهم وجرت في النهر مياه كثيرة خلال العام الذي حكم فيه الإخوان. والذين أظهروا - للأسف -مهارات محدودة في التعاطي مع شؤون الدولة. رغم أن الكثير من خارج الجماعة منحوهم أصواتهم سواء في الانتخابات الرئاسية أو الانتخابات البرلمانية . ومنهم كاتب هذه السطور الذي كتب سلسلة مقالات سواء في هذه الزاوية أو في الأهرام رافضا فكرة الخوف من حكم الإسلاميين مع دعوتهم إلى تقديم ما وصفه آنذاك بمقومات الطمأنة للشعب في الداخل وللأمة العربية في الخارج. وإن أفلحوا في كسب ثقة قوى إقليمية ودولية كانت تصنف دوما بأنها تقيم في خانة الخصم أو العدو بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين.على أي حال سقط حكم الإخوان في الثلاثين من يونيو 2013. وبدت مرحلة انتقالية جديدة وضعت لها خارطة طريق بدأت بإنجاز تعديلات دستورية واسعة على الدستور الذي قدمته الجماعة والقوى المتحالفة معها. ثم إجراء الانتخابات الرئاسية التي أسفرت عن فوز المشير عبدالفتاح السيسي والذي بدأ زمنه الفعلي في المحروسة أمس –الأحد - والذي يتطلع الناس إليه في المحروسة. لأن يحقق الكثير مما فقدوه خلال السنوات الثلاث المنصرمة بل والعقود الأربعة الماضية.وفي مقدمة المطالب من السيسي أن يجمع حوله المخلصين من المساعدين وأركان الحكم. وأن يتجنب أصحاب المصالح وفق نصيحة الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور له في خطابه الوداعي يوم الأربعاء الماضي. وأظن أن تلك هي المعضلة الكبرى التي أودت بمبارك إلى النهاية المأساوية وشخصيا لدي تخوف من أن تحاصر بعض جماعات المصالح والتي بدأت في الظهور خلال الحملة الانتخابية للرئيس الجديد. ويقيني أنه لن يقبل بذلك فهو كما أكد غير مرة ليست لديه فواتير يسددها لأحد. إلا الشعب المصري الذي منحه التأييد وسيشكل له عنصر الإسناد الوحيد والحقيقي له. بعيدا عن رجال كل مرحلة الذين يمتلكون القدرة على التلون والتحول والتسلق إلى الحاكم.وثمة أمر شديد الخطورة ينبغي أن يتحسب له المشير السيسي ويكمن بالأساس ضرورة الرفض المطلق لأي محاولة لتقديسه ووضعه في خانة نصف الآلة مثلما حدث من قبل مع مبارك الذي بدأ زمنه في مطلع ثمانينات القرن الفائت - وكنت شاهدا على ذلك بعد تكليفي من الإذاعة المصرية بالعمل كمندوب رئاسة لمدة ثلاث سنوات – بجدية وببساطة ورفض لكل مظاهر السلطة المخادعة. وإعلانه أن الكفن لن يكون له جيوب وإقدامه على خطوات جادة لمحاربة الفساد وإجراءات لإزاحة الاحتقان الذي نجم عن السياسات التي انتهجها سلفه السادات والتي أفضت إلى إدخال أكثر من 1500 من أفضل رجالات ونخب مصر السياسية في السجون والمعتقلات من كافة ألوان الطيف السياسي. لكنه بعد حوالي أقل من عقد ظهر التحول في شخصية مبارك. بعد أن أخضع نفسه لبعض ضعاف النفوس واستعانته برجال الأعمال وأصحاب المصالح بتأثير واضح من أفراد أسرته الذين انخرطوا في أعمال فساد وسطو على مقدرات البلاد. ثم جاءت الطامة الكبرى المتمثلة في مشروع توريث نجله جمال الحكم بإلحاح من والدته -سوزان- التي كانت تمارس نفوذا سياسيا واضحا عبر تحالفها مع زكريا عزمي رئيس ديوان رئاسة الجمهورية. ثم مع أحمد عز رجل الأعمال الذي فتحت له أبواب السلطة والتأثير على مصراعيها. عبر موقع مهم في الحزب الحاكم وبالمناسبة كان عز المهندس الحقيقي لانتخابات برلمان 2010والتى كان الهدف منها المجيء بمجلس شعب يضع التشريعات ويوفر الأجواء لتكريس جمال رئيسا للبلاد. وفي ضوء ذلك فإن دعوة السيسي ليكون رئيسا لمصر وليس حاكما مقدسا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه هي الأكثر إلحاحا في هذه الساعات الأولى التي يباشر فيها مهامه. لقد بات واضحا أمامه أن الشعب المصري لن يقبل بالحاكم الفرعون. أو الحاكم الذي ينأى بنفسه عن الذين أتوا به إلى السلطة وهذه الخاصية بالذات هي التي ستدفعه إلى أن يتبنى التحرك الفعلي والحقيقي والجوهري للتجاوب مع أشواق المصريين التي اتسعت قاعدتها بعد ثلاث سنوات من ثورة يناير.إن شعب المحروسة في حاجة إلى حاكم ينحاز إلى أغلبيته. وإلى تكريس قيم الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والمواطنة. والأهم العدالة الاجتماعية وقد أعلن السيسي في أول خطاب له بعد الإعلان الرسمي لفوزه رئيسا تأكيده على تطبيق هذه المحددات التي جاءت بها ثورتا يناير ويونيو. وبالتالي فإنه من الضرورة أن يسارع إلى بلورة الخطوات والبرامج والأسقف الزمنية لتحقيق بعض هذه المطالب. ولكنه لن يكون بمقدوره أن يفعل ذلك بمفرده فالشعب مطالب بدوره بأن يسرع في مغادرة منطقة التكاسل وخرق القوانين وأن يتحرك بقوة وفعالية نحو العمل فقد دقت ساعته