13 سبتمبر 2025
تسجيلأوردت وكالة الطاقة الدولية مؤخرا تقريرا أشارت فيه إلى أن "النفط الصخري الأمريكي سيلبي الطلب العالمي على النفط في السنوات الخمس القادمة"، مما أثار نوعا من الغموض، وبالأخص لدى القارئ غير المتخصص واستدعى البعض منهم للاستفسار حول محتويات هذا التقرير. والحقيقة أن النفط الصخري وفق وكالة الطاقة الدولية سوف يلبي أساس الزيادة السنوية في الطلب على النفط والتي تتراوح ما بين 1.5-2 مليون برميل يوميا، وذلك بدلا من زيادة الإنتاج في الحقول التقليدية والتي ستبقى المزود الرئيسي من النفط للأسواق الدولية. ومع ذلك، فإن الغاز والنفط الصخريين أخذا يحتلان مكانة متزايدة الأهمية في صناعة الطاقة، وبالأخص في الولايات المتحدة الأمريكية والتي ربما تعيد النظر في سياساتها وتحالفاتها الدولية إذا ما تمكنت من تلبية معظم احتياجاتها من النفط ذاتيا في سنوات العقد القادم، علما بأن النفط الصخري متوفر في العديد من بلدان العالم، بما في ذلك البلدان الناشئة، كالصين والهند والتي تقف اليوم في مقدمة مستوردي النفط من منطقة الخليج العربي. وحتى الآن، فإن النفط الصخري لا يشكل تهديدا مباشرا وفوريا لمكامن الإنتاج التقليدية، وذلك بسبب التكلفة العالية والتي تزيد ثلاثة أضعاف تكلفة الإنتاج في الخليج، علما بأن التقدم التقني قد يخفض من تكاليف الإنتاج في المستقبل ويشجع العديد من بلدان العالم على الاستثمار في إنتاجه. ويقودنا ذلك إلى بعض المحاذير التي سبق وأن تطرقنا إليها حول انتهاء عصر النفط إما بسبب استنفاذ الاحتياطيات أو بسبب التقدم التكنولوجي والذي سيفضي إلى اكتشافات جديدة لإنتاج الطاقة وتطوير مصادرها، حيث يمثل التطور الجاري في إنتاج النفط الصخري جرس إنذار آخر للبلدان المنتجة والمصدرة للنفط لتنويع اقتصاداتها والبحث عن مصادر أخرى بديلة للطاقة، خصوصا تطوير مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة. ونتيجة للتطور التقني السريع، فإن عصر النفط التقليدي ربما ينقضي بأسرع مما كان متوقعا، مما يتطلب إعادة النظر في الكثير من الثوابت الاقتصادية والسياسية والإستراتيجية السابقة، علما بأن تطوير مكامن النفط الصخري لا يخلو من إيجابيات بالنسبة للبلدان المصدرة للنفط، بما فيها البلدان الأعضاء في منظمة "الأوبك"، إذ إن الاستمرار في إنتاج النفط الصخري يتطلب بقاء أسعار النفط مرتفعة حول 100 دولار للبرميل، وهو ما يوفر عائدات ضخمة للبلدان المنتجة ويتيح فرصا كبيرة لتنويع اقتصاداتها. وفي الوقت نفسه، فإن تلبية الزيادة السنوية في الطلب من خلال النفط الصخري سيجنب دول "الأوبك"، وبالأخص دول الخليج العربية من الضغوط الخاصة بزيادة الإنتاج لتلبية الطلب العالمي، في الوقت الذي لا تتطلب أوضاعها المالية هذه الزيادة بسبب الفوائض النقدية المتراكمة لديها، مما يحفظ لها ثرواتها الهايدروكربونية لفترات أطول، علما بأن منطقة الخليج تتوفر فيها بدورها مكامن النفط والغاز الصخري. هذا من الجانب الاقتصادي، أما من الجوانب السياسية والإستراتيجية، فإن الحديث ازداد مؤخرا في الولايات المتحدة عن إمكانية تغيير واشنطن لتحالفاتها الدولية بسبب إمكانية اكتفائها الذاتي من النفط، بما في ذلك انخفاض اهتمامها بمنطقة الخليج، إذ ربما يعتبر مثل هذا الاستنتاج مبالغا فيه لاعتبارات عديدة. صحيح أن النفط يشكل أهمية بالغة من كافة النواحي، إلا أن اهتمام الولايات المتحدة بمنطقة الخليج لا يقتصر على تلبية احتياجاتها من الطاقة، حيث لا تشكل وارداتها من نفط الخليج نسبة كبيرة، وإنما ما يهم الولايات المتحدة هو التحكم في احتياجات الآخرين من الطاقة، وبالأخص أوروبا والصين والهند والتي تعتبر بلدان الخليج مزودها الرئيسي.