14 سبتمبر 2025
تسجيلبريطانيا تتكلف 9 مليارات دولار بمناسبة الاحتفال باليوبيل الماسي للملكة إليزابيث التي يرجع حكم عائلتها الملكية إلى القرن الحادي عشر أو قبله في القرن التاسع حسب بعض المؤرخين الذين يعتبرون بداية الملكية البريطانية بتوحيد البلاد على يد الملك إيجيبير سنة 829م. ورغم أن مؤسسة الحكم في بريطانيا وراثية فهي رمزية تجسد وحدة الأمة واستقرار البلاد وممارسة بعض الاختصاصات دون المسؤولية السياسية. عموما يحق للشعب البريطاني الاحتفال كيفما شاء برمز الملكية والإنفاق على المناسبة بالقدر الكافي والتاريخي الذي يحقق للملكية هيبتها ويغذي أجيال الدولة العظمى بعميق الشعور من المحبة والولاء لرأس السلطة. فالملكة بمنصبها هي كبيرتهم وهي من لا يخطئ وترتبط في ثقافتهم بحزم من الروابط والمعتقدات الكنسية وكما قال إخواننا في مصر " اللي ماله كبير يشتريله كبير " بيد أنه على النقيض من الاحتفالات البريطانية صدر الحكم بالحبس المؤبد في مصر على الرئيس السابق محمد حسني مبارك الذي أدانته المحكمة بالتورط في قتل ثوار 25 يناير. فهي العدالة التي ننزه فيها القضاء المصري سوى أن الصخب والامتعاض الذي ساد اللحظات التي أعقبت النطق بالحكم وما تلاها في مظاهر الشارع لا تبشر بمستقبل إيجابي للشقيقة الكبرى خاصة في مثل ظروف ما بعد الثورة والاستعداد لمرحلة جمهورية جديدة حيث كان الأجدر احترام القضاء وتنزيهه من مغبة التواطؤ بشأن مصير الرئيس المخلوع من باب احترام السيادة ودساتير البلاد وأحكام مؤسستها القضائية لا أن يترك الحكم للشارع للتقرير في مصير البلاد والمتأهبة لمرحلة يؤمل فيها التعاطي مع المستقبل بروح التطلع والعمل الجاد لوضع عموم مؤسساتها وأجندة العمل فيها على المسار الصحيح لا أن يتاح تقرير وجهة المرحلة ونتائجها بيد جهات تفرض فقط سلسلة أجنداتها على واقع الأحداث وتحقيق المكتسبات السياسية لها على حساب منتجات الظروف بما فيها الأحكام القضائية أو حتى العلاقات التاريخية للبلاد مع جيرانها ودول الثقل المؤثر في تاريخها. فقد وقعت الثورة أياً كان الفعل المدبر لها وغادر الرئيس مبارك الحكم طواعية دون أن يفر إلى خارج البلد بعد أن استنزف كل أوراق المواصلة بل وذيل خطابه التاريخي الخاص بالتنحي والذي ألقاه نيابة عنه نائبه عمر سليمان بعبارة " والله المستعان " فخرج الشارع المصري يتساءل بقوة عن الرجل الذي كان يقف وراء عمر سليمان فسرى التساؤل بين الجمهور كأطرف " نكت " الموسم دون أن يتبين الشارع إلى الدعوة الختامية في خطاب الرئيس " الله المستعان " فكان يلفت النظر إلى أن الظروف حالكة وقد تختطف الثورة لمقاصد ووجهات تريد لمصر مالا ينبغي. وخلاصة القول قصدت هنا المقارنة بين تزامن الحالة البريطانية المحتفية بيوبيل الملكة إليزابيث في نفس السنة التي شهدت فيها بريطانيا أعمال عنف شبابية كُفت بحزم الشرطة هناك فالبريطانيون يدركون حقيقة المؤامرات ضدهم ويثقون في أنظمتهم ويمارسون الشغب أحياناً للتنفيس عن حالة من الغضب دون المساس بالرموز. أما الحالة الأخرى التي وددت المقارنة معها فهي حالة الصخب في الشارع المصري الممتعض من طبيعة وشكل الحكم للرئيس مبارك فربما كان بعض الطموح في الحكم القضائي هو رأس الرئيس وتفعيل المشانق حول رقاب كل زمرة الحكم السابق. وحقيقة القول أن الأجدر في المرحلة لدى عموم المصريين هو تغليب المصلحة العليا للبلد وتحديد وجهتها في مستقبل الأيام للنهوض بمقدراتها ومعالجة مشاكل وأخطاء الماضي بتفعيل العقلية الوطنية الحكيمة والتي تختزن مصر منها ثروات متنوعة من العقول العلمية والرموز الفاعلة بدلاً من مجرد التشفي واجترار دواعي الماضي وصوره وكذلك تفعيل الثقة في المؤسسات المصرية القضائية والعسكرية والتركيز على هوية الرئيس القادم والتي انحصرت الآن ما بين شفيق ومرسي واللذين يمثلان وجهتين لطرق عمل مختلفة ليختار الشعب أياً من الوجهتين برضا وقناعة دون أن تكون اليوميات والأحداث جزءا من حملات التأثير على الرأي والتحشيد بالقوة نحو وجهة دون أخرى. نتمنى أن تحقق الانتخابات المصرية في دورتها الأخيرة ما يصبو إليه الشعب المصري وأن يتوج عموم الإخوة في مصر نتاج المرحلة بالعفو عن رئيسهم السابق فهم أهل عفو وشيم عطاء منذ فجر التاريخ حيث قال سيدنا يوسف لإخوته " لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم ".