27 أكتوبر 2025
تسجيلقال القدماء إذا بنيت مدرسة هدمت سجنا، وقالوا إزرع العلم في العقول تجتث منها العنف، كما قالوا إن طرد الظلام والظلاميين لا يكون إلا بإشاعة النور، وأعتقد أن دولة قطر الرائدة وبأيدي صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر، حققت هذه الحكم الخالدة بمبادرتها العالمية وغير المسبوقة التي أرادت بها إتاحة التعليم لملايين الأطفال المحرومين من نعمة المعرفة دون تمييز بينهم في الدين أو العرق أو الجنس ونجحت المبادرة بإعلان تمدرس 10 ملايين من أطفال العالم في كل القارات وتمكينهم من الجلوس على مقاعد المدرسة أمام معلميهم. يعتبر هذا الإنجاز رائدا بكل المقاييس؛ لأنه يؤكد للرأي العام العالمي بأن دولة قطر تسخر جزءا مما وهبها الله من الخيرات الطبيعية للنهوض بالإنسانية أينما كان الإنسان وبأن مقاومة الإرهاب ليس شعارا أجوف يتغنى به أولئك الذين أسسوا للإرهاب ودعموه بمناهج تعليمهم الخاطئة و تطرف نخبهم الضالة، بل إن مقاومة الإرهاب الحقيقية والناجعة إنما تكون بمشاريع نشر العلم وتنوير العقول وبناء المدارس؛ حتى يقف العلم سدا منيعا ضد التعصب وضد العنف الأعمى وضد الإرهاب في النهاية، وهو ما وفقت دولة قطر إليه منذ سنوات واعتمدته سياسة اجتماعية وثقافية سنتها القيادة القطرية منذ عقدين، خصصت لها المبالغ المرصودة لها دون حساب للربح أو الخسارة ودون توظيف المشروع للدعاية، ثم إن إنجازا عملاقا كهذا يستحق التحليل واستخلاص العبرة، بالنظر إلى أنه يكاد يكون الفريد من نوعه في عصرنا الراهن الذي غلبت عليه الأنانية وساد فيه الخداع، فالذي تحقق اليوم هو إنقاذ 10 ملايين من أطفال الفقراء وضحايا الحروب الأهلية وبؤر العنف مما كان ينتظرهم من التحاق طبيعي بمعسكرات الفرقاء المتحاربين وتجنيدهم وتسليحهم فيتحولون إلى قنابل بشرية موقوتة ويموتون ضحايا العنف الذي يتجاوزهم لكي يكونوا وقودا سهلا لتصفية حسابات الكبار في بعض مناطق إفريقيا وآسيا. إن غرس القيم الأخلاقية وزرع بذور التسامح وحب السلام لن يكون إلا بتعليم الناشئة الكتابة والقراءة ومن ثم تمكينهم من أدوات الالتحاق بالإنسانية في كنف السلام حتى يستقر الأمن داخل البلدان وبين البلدان ثم ينتشر السلام بين الأمم بأديانها المختلفة و ثقافاتها المتباينة فيتحقق الهدف السامي الذي وضعته القيادة القطرية نصب أعينها منذ عقود، ألا وهو إنجاز مشروع تحالف الحضارات وحوار الأديان، فإن قطر اليوم بهذا المكسب تنتصر للمبادئ التي تؤمن بها وتعمل من أجلها دون تردد أو تشكيك، وهي مبادئ سياسة تعليمية ثابتة تهدف إلى تحقيق مجتمع المعرفة، وهو ما تحقق صلب مؤسسة قطر للتربية والعلوم ببعث أرقى الجامعات العالمية وتخريج دفعات من النخب في مختلف التخصصات، وهو ما أدخل المجتمع القطري في القرن الحادي والعشرين وبوأه منزلة متقدمة من الريادة في العلوم التكنولوجية والمبتكرات الرقمية. منذ عقدين من الزمن ودولة قطر تحارب الإرهاب فعلا لا قولا، واستعملت في حربها على العنف الأعمى أدوات العلم، إيمانا من قيادتها بأن تحرير العقول من الجهل هو في الواقع تحريرها من العنف، لأن زرع بذرة المعرفة في المدرسة وبواسطة الكتاب يؤدي إلى اقتلاع التعصب و عدم الاعتراف بالآخر المختلف، وكانت وما تزال كل السياسات القطرية الاجتماعية والتربوية والثقافية والإعلامية والدبلوماسية تتناغم حول هذه القيم العليا حتى تؤتي أكلها وينطلق بها مجتمع قطري وطني نحو التقدم الحقيقي والأخوة الصادقة ورأت صاحبة السمو الشيخة موزا حفظها الله أن توسع دائرة هذه القيم من المجال الوطني إلى المجتمع الدولي بأسره، وهو الجهد العالمي لنشر التعليم حتى بلغ المشروع تمدرس عشرة ملايين من أطفال العالم تمكنوا اليوم بفضل هذه الجهود الخيِّرة من الجلوس على مقاعد المدارس أمام المدرسين وفتح كتبهم، وربما ألواحهم الإلكترونية و الشروع في دخول فضاء المعرفة الذي سيحرر عقولهم وينور قلوبهم و يأخذ بأيديهم ليتعدى بهم حواجز كانت ممنوعة وجدرانا كانت عالية نحو آفاق أرحب، وهل يوجد مشروع أنبل وأرقى وأنجع من صناعة السلام وإقرار الأمن ونبذ العنف ومكافحة الإرهاب بأدوات العلم وإشاعة التعليم. ويذكر كل المسافرين على الخطوط الجوية القطرية ذلك الصوت المسجل الذي يسمعونه في بداية كل رحلة حول هذا المشروع يدعوهم إلى المساهمة فيه، بما يحسب في ميزان حسناتهم. هذه هي دولة قطر التي أبهرت العالم بمبادرات الخير ووفقها الله إلى ضمان مستقبل شباب كان سيتورط كثير منهم في مخاطر الانحراف نحو الإرهاب والتدمير.