19 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); لا تزال أمتنا الإسلامية تتحفنا بين فترة وأخرى بنماذج رائعة، وقامات عالية، وشخصيات سامية، نفتخر بها عبر التاريخ. نماذج في التضحية والإيثار، وإنكار الذات، والتجرد من حظوظ النفس، والحرص على المصلحة العامة قبل الخاصة، والسعي لوحدة الأمة ولو على حساب خسارة بعض المكاسب الدنيوية.لقد سطّر رئيس الوزراء التركي البروفيسور "أحمد داود أوغلو" تاريخه بأحرف من نور يوم أن قدّم استقالته من رئاسة حزب العدالة والتنمية، والتي ستتبعها الاستقالة من منصبه كرئيس للوزراء، بعد أن وجد أن هناك عدم توافق بينه وبين رفيق دربه رئيس الجمهورية السيد "أردوغان" في بعض القضايا.تنازل أوغلو عن منصبه من أجل أن يحافظ على وحدة الحزب، ومن أجل بقاء تركيا قوية في وجه الأخطار التي تحيط بها، ومن أجل الأمة الإسلامية التي تشرئب أعناقها وتتجه أنظارها إلى عاصمة آخر خلافة إسلامية، إلى تركيا التي أصبحت اليوم ملاذا للمظلومين والمستضعفين، إلى تركيا التي أمست المدافع الأول عن حقوق المسلمين في العالم أجمع.لقد تحدث السيد "أوغلو" عن استقالته، وأشار إلى كلمة رائعة تستحق أن تكتب بماء العيون، عندما أكد المثل القائل: "الرفيق قبل الطريق" وبأنه مستعد لأن يخسر المنصب ولا يخسر الصديق.لا أبالغ إذا قلت إن موقف السيد "أوغلو" ذكرنا بمواقف وأحداث من تاريخنا الإسلامي المشرق، ذكرنا بموقف حفيد رسول الله "الحسن بن علي" عندما تنازل بالخلافة لمعاوية بن أبي سفيان، حرصا على اجتماع المسلمين.وذكّرنا بتضحية " عثمان بن عفان " حين نهى الصحابة عن قتال الفئة الباغية التي حاصرته في بيته وقامت بقتله، فضحّى بنفسه من أجل حقن دماء المسلمين.وذكّرنا بموقف "خالد بن الوليد" حين انصاع إلى أمر الخليفة عمر بن الخطاب بالتنحي عن قيادة جيش المسلمين في معركة اليرموك وتسليم القيادة إلى "أبي عبيدة بن الجراح"، ولم تأخذه العزة والأنفة من أن يستجيب لأمر الخليفة، كي يحافظ على وحدة الجيش وقوته، فهو يقاتل في سبيل الله وليس من أجل البشر.ولو تأملنا في تاريخ الأمة الحديث لوجدنا نماذج رائعة في عدم التشبت في الكراسي، وتركها لمن يكون أولى بها، أو التنحي عنها حرصا على المصلحة العامة، أو لمن يستطيع أن يؤدي أمانتها بشكل أفضل.نتذكر المشير "عبدالرحمن سوار الذهب" رئيس جمهورية السودان السابق، الذي استلم السلطة بعد إسقاط حكم الرئيس النميري، ووعد الشعب بالتخلي عن الكرسي في أقرب فرصة، وبالفعل سلمها لأول رئيس وزراء منتخب السيد الصادق المهدي.وبعدها اعتزل العمل السياسي، وبقي السيد "سوار الذهب" ذهبا كاسمه، ولا يزال إلى اليوم يضرب فيه المثل في صدق الوعد، وعدم التشبث بالكراسي كحال العديد من الانقلابيين. وأتذكر أيضا تخلي السيد "محمد عاكف" المرشد السابق لجماعة الإخوان المسلمين عن منصبه، وترك المجال لمن بعده في قيادة جماعة الإخوان في مصر، وهي المرّة الأولى في تاريخ الجماعة، حيث جرت العادة ألا يتم اختيار مرشد جديد إلا في حال وفاة المرشد، وهو أمر يندر أن تجده في الجماعات والأحزاب الحالية الإسلامية وغير الإسلامية.أتأمل كثيرا في موقف السيد "أوغلو" وأقارنه بموقف بعض الرؤساء الذين سفكوا دماء شعوبهم من أجل البقاء على كراسيهم، وأتأمل حال الصراع عند بعض قيادات الأحزاب، والتي شقت صفها وأضعفت قوتها، وأتأمل الصراع على الكراسي الذي تعيشه بعض النقابات والجمعيات، فجعلها هياكل بلا أرواح، و"مباني بلا معاني".وليتهم تأملوا قول الله تعالى "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم".شكرا للبروفيسور "أوغلو" على شجاعته وثقته بنفسه، فقد أقدم على عمل لا يقوم به إلا الكبار.