12 سبتمبر 2025
تسجيلمنذ أن تأسس الشرق الأوسط المعاصر على أنقاض التركة العثمانية بعد الحرب الكونية الأولى، وبزوغ عصر الدولة العربية القومية، وبداية رسم خرائط المنطقة بما يتوائم وينسجم مع التطورات والمصالح الدولية، لم تشهد المنطقة حدثا انفجاريا هائلا بحجم الكارثة القومية والإنسانية التي سقطت على رؤوس العراقيين في ذلك اليوم العاصف في التاسع من أبريل 2003 وحيث سقطت عاصمة الخلافة العباسية ودار السلام بغداد تحت جنازير الدبابات الأمريكية التي كان دخولها لساحة التحرير فصلا شهيرا من فصول مسلسل التردي والضياع والتكسيح الوطني العراقي رغم الوعود والآمال والشعارات التحررية بالمن والسلوى ووعود الديمقراطية البراقة بشكلها الاستعراضي الأمريكي التي تلاشت مع الريح عند أول منعطف عراقي، لقد كان المنظر الأبرز في بغداد ومدن العراق بعد انهيار النظام السابق هو حالة النهب والسلب (الفرهود) لأملاك الدولة والمجتمع والصورة المتوحشة، لقد جاء الاحتلال الأمريكي بمشروع تدميري منذ البداية من خلال الاعتماد في السنوات الأخيرة التي سبقت الاحتلال على التواصل مع جماعات سياسية عراقية طائفية فاشلة ومعزولة ومرتبطة بأجندات طائفية وسياسية معلومة، فبرغم الحديث الأمريكي المعلن عن تنمية وتطوير العراق وإدخال الديمقراطية لربوعه! ، فإن الأجندة الحقيقية لم تكن هي المعلنة أبدًا بل كانت الترجمة الميدانية لتهديدات وزير الخارجية الأمريكية الأسبق جيمس بيكر عام 1991 والتي سبقت حرب عاصفة الصحراء بإعادة العراق خمسين عاما للوراء وربما لمرحلة ما قبل الحضارة! ، كما كانت ما يسمى بـ "الفوضى الخلاقة" ! ! هي الإستراتيجية التي تحولت لفوضى تدميرية هدامة وليست خلاقة برزت منذ مرحلة الحاكم المدني الأمريكي الأول جي جارنر وترسخت مع مرحلة السفير بول بريمر التي كانت عنوانا للنهب ولتدشين وتعزيز الطائفية الرثة، وزرع ألغام التوترات العرقية والطائفية التي ما إن دخلت لحلبة العمل السياسي حتى عم الخراب الشامل في الديار العراقية، وما أعلنه السفير الأمريكي السابق خليل زاده عن تعاون وتفاهم وتنسيق مصالح مع النظام الإيراني في ترتيب الأوضاع العراقية ليس سوى قطرة من بحر حقائق بيع وشراء أمن ومستقبل العراق في أسواق النخاسة الدولية! ، لقد تحول العراق لجثة يتقاسمون غلتها، بعد أن استطاع اللصوص والقتلة من اقتحام العملية السياسية الكسيحة وإدخال العراق في لجة صراعات داخلية عنيفة بددت كل سنوات البناء السابقة، وحولته لقطعة من الجحيم والفشل والنهب لمقومات الدولة وإمكاناتها، حتى أضحى العراق بعد 13 عاما عجاف من أكبر الدول الفاشلة، ومن كبار الدول الباحثة عن قروض صندوق النقد الدولي حاله كحال أي دولة إفريقية مفلسة! ، بل إن الفضيحة الكبرى تمثلت في ضياع وتبديد أكثر من 300 مليار دولار من مبيعات البترول دون مساءلة أو محاسبة أو متابعة! ، استطاعت جمهرة اللصوص السطو عليها في وضح النهار لتضيع ويضيع معها الحلم والأمل والهدف الوطني المنشود، وبعد 13 عاما من الاحتلال يبدو المشهد العراقي الراهن في منتهى العدمية وحتى الهمجية لوطن كان على وشك مغادرة قطار التخلف وتم تصنيف نظام التعليم فيه عام 1977 من قبل اليونسكو بشكل هو الأقرب لنظام التعليم في الدول الإسكندنافية! فإذا به اليوم يعجز عن توفير مدارس كافية، ويعاني من انهيار كامل، يوم التاسع من أبريل يعود ليجتر ذكرى الاحتلال والعراق على شفا حفرة من النار، لقد سقط مئات الآلاف من العراقيين ضحايا حروب داخلية همجية كرست الدمار والانقسام والفشل، وفشل وكلاء الاحتلال الأمريكي في تسويق أي نموذج حداثي وحضاري، بل على العكس كانت الهمجية سيدة الموقف ولم تزل الحال كذلك للأسف.. فوا أسفاه على الفرص التاريخية الضائعة! .