12 سبتمبر 2025
تسجيلعندما يتعلق الأمر بفعل خير أو النهي عن شر، ينبغي للإنسان الحصيف أن يتدبر أمره ويحاسب نفسه على مسؤوليته الاجتماعية، فعندما تطالع شاشات التلفاز أو وسائل الإعلام وترى الحديث عن اليتيم والإحسان إليه، واختيار أوقات أو تخصيص يوم بعينه، وجب علينا أن نسعى للخير وتنميته لعل أحدنا يظفر برفقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، فوسائل التكافل الاجتماعي كثيرة ينبغي على المجتمع الحقِّ أن يعلمها حتى يتبعها ويسير على نهجها، فمن اهمها على الاطلاق الإنفاق في وجوه الخير، فمبادئ الشريعة الاسلامية حثت على هذه الخيرية وحذرت من الشح والبخل، فجعلت في أموال الموسرين والأغنياء حقا معلوما للفقراء واليتامى والمساكين، فهذا المجتمع نفسه يتحمل المسؤولية كاملة بأن يتضامن أبناؤه ويتعاضدوا فيما بينهم؛ افرادا وجماعات، على اتخاذ كافة المواقف الايجابية التي تكفل رعاية الأيتام، بدافع من شعور وجداني عميق، ينبع من أصل العقيدة الاسلامية، ليعيش اليتيم في كفالة الجماعة، وتعيش الجماعة بمؤازرة هذا اليتيم المنسجم معها في سيرها نحو تحقيق مجتمع افضل، ولكي لا تنغلق النفوس وتحتجب عن المشاركة الوجدانية في المجتمع، ولكيلا لا تجف ينابيع الخير والرحمة والتعاطف. فلقد أراد الله للمسلم أن يكون عنصراً بناء فيه منفعة وخير لمجتمعه، يفيض دوما بخيره على الناس، لذا دعاه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى الإنفاق اليسير، وحذره من السلبية والانغلاق والإمساك، لأن في ذلك مهلكة وبواراً، فلعلنا نتقي النار ولو بشق تمرة، فلقد علمنا الهدي النبوي الطريق إلى الجنة، فأرشدنا إلى كفالة اليتيم وأمر بوجوب رعايته، وبشر كفلاء اليتيم بأنهم إن احسنوا الى اليتامى سيكونون معه في الجنة، لذا بشر كافله بأنه رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في جنة عرضها السموات والأرض، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما" البخاري، فحقاً على من سمع هذا أن يعمل به ويجتهد ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، فلا منزلة أفضل من ذلك كما بشر النبي من أحسن إلى اليتيم ولو بمسح رأسه ابتغاء وجه الله بالأجر الكبير والثواب العظيم، ففي الإحسان إلى اليتامى نجاة، فعلى المرء الذي يجد في قلبه قسوة وفي طبعه غلظة ويريد أن يذهبها الله عنه أو يريد مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، أو يطمح أن يكسب مئات الحسنات.. فالأمر يسير وهين، فإذا أردت ذلك كله فكن لليتيم مكان والده.. أحسن إليه.. اقترب منه.. ابتسم له.. امسح رأسه.. طيب خاطره.. أدخل البسمة على روحه الظمآى.. فالإحسان إلى اليتامى من أعظم البر، لأن الأيادي الندية هي التي تنفق من عطاء الله تعالى كالمياه العذبة، تنساب على الأرض العطشى لتعود الحياة إليها وتزهر ورداً، لتغدو طاقة وسعادة بعطاءات مباركة على بيوت اغتمت بدموع حارقة، لفقدان الراعي والمعيل، لتحول نفوس ساكنيها إلى طمأنينة، بوركت تلك الأيادي البيضاء التي امتدت إليها، وأنارت ظلمتها، وزرعت فيها ابتسامة يُشرِق منها نهارٌ يمتلئ بالأمل لجني ثمار فردوس ربنا الدائمة، ومرافقة نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم فيها.. فيا ليتك تبحث عن يتيم تكفله، فيكون هذا سبباً لدخولك الجنة فتأخذه وتحسن إليه وتطعمه وتكسوه وتكرمه كما يكرم الرجل ولده بل أكثر، فيقف هذا اليتيم مدافعاً يوم القيامة عن كافله، قائلاً: خلوا عنه يا ملائكة ربي، حتى أشفع له عند ملك الملوك العزيز الجبار، فإنه قد أحسن إلي وأكرمني، فتقول الملائكة: إنا لم نؤمر بذلك، وإذا بالنداء من قبل الله تعالى يقول: خلوا عنه فقد غفرت له ما كان منه بشفاعة اليتيم وإحسانه إليه، فلنبذل جهدنا لإيصال الرحمة إلى الأيتام، فلعل الله أن ينفعنا بدعواتهم وشفاعتهم لنا يوم القيامة، فلنسرع الخطا إلى هذا الخير، فالمسلم الحق كريم مهما كان فقيرا، ومهما كان عطاؤه قليلا، يأمره الإسلام أن تنبجس في نفسه عاطفة الرحمة، بمن هو أفقر منه، ويحس ما يعانيه غيره من ألم وحرمان، فهدي ديننا الحنيف يحض المسلمين على الإنفاق من طيب ما يملكون؛ كل منهم حسب استطاعته، لتبقى نفوسهم ممتلئة بنداوة المشاركة الوجدانية لإخوانهم، ووعد الله هؤلاء المنفقين على عطائهم، باستثمار صداقتهم وتنميتها حتى تصبح كالطود الشامخ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تصدق بعدل تمرة من كسْب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يقبلها بيمينه، ثم يُرْبيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه، حتى تكون مثل الجبل). متفق عليه.