15 أكتوبر 2025
تسجيلفي التاسع من أبريل 2003 كان التاريخ العربي على موعد مختلف مع كارثة قومية كبرى حطت رحالها في الشرق العربي تمثلت في السقوط المريع لقوة عربية مهمة وفاعلة كان يمكن لو كانت إدارة الصراع الإقليمي بأيد مسؤولة لتغير واقع المنطقة السوداوي الراهن بالكامل، لقد كان احتلال وسقوط بغداد في ذلك الربيع العراقي القاسي تعبيرا عن نهاية مرحلة طويلة من سياسات العبث القومي غير المسؤولة، وتتويجا لعقد كامل من الصراعات والحروب الدموية المرهقة التي ألقت بكلكلها على شعوب المنطقة وكلفتها الكثير من الموارد المستنزفة، لم تسقط بغداد بسبب الخوار والضعف والجبن كما يتصور البعض! بل إن من سقط هو تلك العقليات الاستبدادية التي قادت العراق لأكبر كارثة في تاريخه منذ كارثة الغزو المغولي عام 1258، لقد كان واضحا وجليا دخول العراق وشعبه في عنق الكارثة منذ أن سقط النظام الملكي الذي أسس العراق الحديث عام 1958 في ذلك الانقلاب العسكري الأسود الدموي الذي سن سنة الشرعية الانقلابية (الثورية) والذي أخرج العراق من سياقات الدول المتقدمة بعد أن تحول البلد لمختبر لتجارب سياسية واقتصادية فاشلة انتهت بنظام حكم انقلابي حزبي إقصائي لا يؤمن إلا بالعنف المفرط وأنتج نظاما فرديا مزاجيا كرس الديكتاتورية والاستبداد وألغى الدولة المدنية الحضارية وحيث أضحى كل شيء وكل قرار مرتبط بإرادة ومزاج القائد الأوحد الذي لا شريك له! وهي معضلة حقيقية عمقت من أسلوب السياسة الانتهازية بعد تلاشي الإرادة الشعبية أمام إرادة القائد الذي لا ترد مشيئته، لقد كان دخول عصر الكارثة محددا مسبقا منذ صيف عام 1979 الدموي في بغداد والذي تمت فيه مجزرة الرفاق في القيادتين القومية والقطرية لحزب البعث الذي كان منفردا في حكم العراق، وهي مجزرة بشعة أسست لمجازر عراقية كثيرة قادمة بعد انفتاح بوابات الدم العراقي على مصاريعها خلال مرحلة الحرب مع إيران (1980 /1988 ) الطويلة المرهقة وهي حرب كان يمكن تجنبها بقليل من الحكمة والتبصر.. ولكن.. ملفات وإرادة السياسات الدولية لا ترحم وسار العراق وشعبه في طريق الدم بعد أن تم تمجيد العنف في النفوس بشكل مفرط، في التاسع من أبريل انتهى العراق الذي كان يمثل صورة لألق التوهج القومي بعد ضياع كل الشعارات القومية مع جريمة الغزو العسكري العراقي لدولة الكويت عام 1990 والنتائج المروعة التي نجمت عن ذلك الفعل الأهوج وغير المسبوق في العالم العربي والذي ما زالت أسراره حبيسة الجدران حتى اليوم، لقد أدى الحصار الدولي القاسي على العراق بعد جريمة الغزو ثم الاندحار لنتائج داخلية بشعة تمثلت في تهشيم العراق من الداخل وتفكك كل عناصر الوحدة الوطنية الجامعة المانعة وبروز التيارات الطائفية الممجوجة بفكرها الغيبي الخرافي مما أدخل العراق وشعبه بعد الاحتلال العسكري الأمريكي في أتون حرب أهلية طائفية مستعرة عقور لم تعد تهدد وحدة العراق فقط بل مجمل منظومة الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.العراق اليوم وبعد أحد عشر عاما قاسيات من سقوط بغداد يعيش على إيقاعات الفتنة الداخلية بإيقاعاتها الدموية المأساوية التي تستنزف طاقات العراق وشعبه وفي ظل قيادة أحزاب طائفية مفلسة ليس همها البناء وإسدال الستار على الماضي بقدر ما تهدف لتعميق الفتنة الطائفية ولنهب العراق وجعله مستباحا وعنصرا من عناصر عدم الاستقرار الإقليمي، فسياسات حكومة نوري المالكي تمثل الكارثة بكل أبعادها بعد أن تمكن من إقصاء كل الأصوات العراقية المخلصة، وتفنن في تسعير الفتنة واستعداء دول الجوار واتهامها وتعليق فشله على الآخرين.