13 سبتمبر 2025
تسجيلوقائع ما تتعرض له ثورة الخامس والعشرين من يناير منذ تمكنها التاريخي في إسقاط نظام مبارك يجسد بقوة السمة التي أظنها باتت مرتبطة بالعرب والتي تتجلى في إهدار الإمكانية ولأن المصريين جزء مهم من العرب فإنهم يمارسون هذه الغواية بكفاءة واقتدار باعثين على الدهشة فالثورة تعني بعيدا عن التنظير الفلسفي ومحاورات الفكر الدخول في مرحلة مغايرة لما كان سائدا قبلها لإزالة الأسباب التي أدت إليها ومن ثم إحداث تغيير جذري وشامل في مفردات الواقع على نحو ينسجم مع الأشواق الكبرى للقائمين بها بيد أن ما جرى على مدى الأشهر الأربعة عشرة المنصرمة يكاد يناقض هذا المفهوم تماما إلى حد أقول معه أننا نجحنا في دفع الثورة إلى خندق الكراهية ودائرة المواجهة مع البشر البسطاء الذين تدافعوا للانضمام إليها والمشاركة فيها بفعالية والدفاع عنها خلال الثمانية عشر يوما التي استغرقها الاعتصام والتظاهر بميدان التحرير وغيره من ميادين المدن الكبرى منذ الخامس والعشرين من يناير 2011 وحتى الحادي عشر من فبراير من العام نفسه وهو ما أرصده بنفسي عندما أستقل تاكسيا أو أركب حافلة عامة أو حتى خلال مناقشات في مقهى أو شارع فعندما انبرى للدفاع عن الثورة يسألني الطرف الآخر في النقاش : مالذي حققته الثورة بعد أن أسقطت مبارك وبعضا من رموز حكمه؟ أين الكرامة وأين الخبز وأين الحرية وأين العدالة الاجتماعية ولا يتوقف عن طرح صيغة الاستفهام التي تبدأ بأين؟ وتلك هي المعضلة الكبرى التي أضحت تفرض سطوتها على فعل الثورة التي عبرت بالمحروسة من منطقة التلاشي - إن لم يكن العدم - إلى منطقة الوجود والحضور والتجلي بحقائقها وطنيا وقوميا وإقليميا أو هكذا من المفترض أن تحققه وتتحمل النخب السياسية سواء تلك التي نهضت بعبء الثورة أو التي استفادت منها المسؤولية الأولى في المضي بها نحو دائرة إهدار الإمكانية وهي دائرة - إن لم تتوافق هذه النخب على الحدود الدنيا من قواعد اللعبة - يمكن أن تتحول إلى دائرة جهنمية لن تقف تداعياتها أو قل نيرانها عند طرف دون آخر بل ستطال الجميع وأخشى ما أخشاه هو أن يصر كل طرف من الأطراف التي تتصدر المشهد السياسي المصري الآن على ما يظن أنه الحقيقة المطلقة ودونه الباطل ومن ثم لا نعثر على ما يطلق عليه القواسم المشتركة وهىي في جوهرها عديدة فتدفع المحروسة الكلفة المرتفعة من مشروع نهوضها الذي يترقبه شعبها والإقليم أو تعيد إنتاج نظام سياسي قد يكون أشد وطأة من نظام مبارك. وما يعنيني بعيدا عن ذكر أسماء أو مسميات معينة هو أن ألفت الانتباه إلى جملة من المعطيات التي يتعين إجهاضها قبل أن تنضج الأمور باتجاه إتاحة الإمكانية أمام الثورة المضادة لتقفز باتجاه الانقضاض الأخير على ثورة يناير بعد أن حققت خلال الأشهر الفائتة بعضا من اختراقات نوعية وأول هذه المعطيات يتمثل في حالة السيولة في المواقف الغير المحددة والسعي إلى الاستحواذ على الحقيقة وامتلاك الأدوات التي تمكن هذه القوة أو تلك من فرض إرادتها على القوى الأخرى بينما قواعد السياسة ترتكز بالدرجة الأولى على بناء قدر من التوافق الوطني سيما في المراحل الانتقالية التي تستوجب حشد طاقات جميع قوى الوطن للإسهام فى عملية إعادة البناء بعد أن أسهمت فى هدم النظام السابق. وفى هذا السياق يقف المرء عند محاولات كل طرف لإقصاء الطرف الآخر بالذات على صعيد القوى التي تتصدر المشهد بتجلياته البرلمانية والتنفيذية وهو ما يعنى على نحو أو آخر الدخول في منطقة صراع فرض الإرادات وهو ما لا يجوز - بل يحرم إن لجأنا إلى مفردات الفقه- في الحالة المصرية التي تتطلب أن يعمل كل طرف على تحقيق قدر من التكامل بين مقومات القوة لديه ولدى الأطراف الأخرى لبناء منظومة سياسية جديدة تحقق قواعد الديمقراطية الصحيحة في إطار شراكة وطنية فيها بدون شك متسع للجميع. ثانيا : ثمة توجه إلى فرض حقائق جديدة على الواقع المصري من خلال الشعور بامتلاك قوة الشارع أو قوة الأغلبية وذلك دون قراءة حقيقية لمفردات هذا الواقع والتي لا تقبل باحتكار جديد للسلطة حتى لو ارتدى عباءة الدين وهو ما يتجلى في مسعى جماعة الإخوان المسلمين إلى الاستحواذ على كل السلطات ومع تسليمنا بحقها القانوني في ذلك ما دامت تمتلك الأكثرية النيابية لكنها في المقابل عليها أن تقرأ بعمق تجربة نظام مبارك في احتكار السلطة رغم كل الشعارات الوطنية التي كان يتبناها والتي قادته في النهاية إلى الانهيار وهو ما يجعلني أتفق مع ما طرحه المفكر فهمي هويدي في مقال له مؤخرا بضرورة أن تتجنب الجماعة فتنة السلطة فهي في ظل تمددها إلى كافة الجوانب ستتحول إلى سلطة مطلقة وبالتالي ستكون مفسدة مطلقة حتى لو ارتدت كما قلت سابقا عباءة الدين وحوادث التاريخ الإسلامي زاخرة بنماذج من هذا القبيل وجاءت نتائجها مخاصمة لمحددات المشروع الحضاري الإسلامي الذي يقوم على التوافق والعدل والحرية والبناء ما علمته هو أن الجماعة تسعى إلى امتلاك أدوات السلطة بقضها وقضيضها بهدف تطبيق مشروعها السياسي وبرنامجها الانقاذي على حد قول أحد نوابهم في البرلمان خلال حلقة نقاش بالتلفزيون المصري جمعتني به قبل أيام غير أن حقائق السياسة تؤكد أنه ليس بمقدور أي قوى سياسية مهما امتلكت من حشد جماهيري أو استندت إلى أغلبية برلمانية أن تحقق برنامجها من دون التوافق والاحتشاد مع القوى الأخرى والتي تمتلك قدرة تعطيل هذا البرنامج. ثالثا : وتكمن المعضلة الأشد خطورة على بنية ثورة يناير في القوى التي تحملت العبء الأكبر في إشعال جذوتها المتقدة حتى اليوم رغم كل محاولات هدر إمكانيتها فهذه القوى وأغلبيتها من طلائع الشباب مزقتها الانشطارات وحالات التشظي التي جعلت كل فريق يصاب بغرور الثورة - إن صح هذا التوصيف- فتراجعت قوتهم وهو ما تجلى في الانتخابات البرلمانية التي لم تفرز إلا بعضا من رموز الثورة يعدون على أصابع اليد الواحدة وليس اليدين للأسف فيما انزوى البعض من شباب الثورة الذين توزعوا على ما يسمى بالائتلافات المتعددة في خانات المواجهة مع الأطراف الأخرى وفي مقدمتها المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي بالرغم من أخطائه إلى حد التجاوز في بعض المراحل لايمكن إنكار حقيقة انحيازه لخيار الثورة والوقوف إلى جانبها ملتزما بتسليم السلطة إلى سلطة مدنية مع نهاية يونيو المقبل. في حين انهمكت فئات من شباب الثورة في الدخول في اشتباكات سياسية وإعلامية عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع قوى مدنية وثورية أخرى مما أهدر إمكانات الجميع فوقع ما يشبه الترهل الذي أصاب حيوية الشباب وأفقدهم القدرة على الفعل المؤثر الذي لاينتج إلا من وحدة الصفوف لا من تمزقها وانشطارها في متوالية مخيفة رابعا : لم يفت الوقت بعد فبوسع جميع أطراف المعادلة السياسية في المحروسة استعادة فعالية الحركة وعافية الرؤية وامتلاك القدرة على ترتيب الأوراق والأولويات التي تحتاجها عملية بناء المنظومة الجديدة للوطن وأولها التوافق على اللجنة الدستورية بعيدا عن الشطط وتجنب السعي إلى احتكار السلطات والحقيقة في آن فالشعب المصري لن يرحم من يجهضون ثورته أيا كانت ألوانهم أو أفكارهم فليسارع الجميع إلى الوقوف إلى جانب هذا الشعب الصابر والمثابر والمستعصي على الاستكانة أو الخضوع لأي سلطة لاتنحاز إلى خياراته في الحرية والخبز والعدالة. السطر الأخير : ماذ جنيت لكي تكفي عن قول الشعر أو البوح بأعاصيرالقصائد كوني سيفا للكتابة لاجمرا يحتوينى كوني حديقة تهدهد روحي لاتسلك بي دروب غابات ورحيق بائد فيك سطرت حقول حنطتي رسمت بعينيك أشواقي كابدت الصبار عانقت العتمة دون أنيس فجئتك باحثا عن ندى فجر عائد