12 سبتمبر 2025

تسجيل

ان لم تكن معى..!

09 أبريل 2012

يقول عنترة: لو كان يدرى ما المحاورة اشتكى / ولكان لو علم الكلام مكلمى مما لا شك فيه أن لغة الكلام هى أداة الانسان الرئيسية، بها ينقل ما يدور فى عالمه الخاص والباطن، ويعبّر عن ما يجول فى خاطره، على هيئة حروف وكلمات، لو رصّت بعضها ببعض، لصار " حديثاً ". وقد تبنى جسوراً للتواصل بين البشر عن طريق " الحوار " الذى به تتقارب وجهات النظر وتتسع المفاهيم، فما بين قبول الرأى الآخر وان كان مخالفاً، أو الاقناع، يكون للحديث شجن..! ولكن ماذا لو تلاشى ذلك الشجن، وصار الحديث هجوماً كلامياً، لا يسمع كل طرفٍ الآخر، بسبب الجدال " أو" التفكير أثناء الجدال بالرد التالى..! ماذا لو أن أحاديثنا عميقة، وآفاقها واسعة تحتاج الى المدى وأبعد لكى تحتوى كل وجهات النظر والحجج ووسائل الاقناع، ولكن فى المقابل، هناك صدور ضيقة لا تتحمل رأياً يُخالفها، فترفع شعار " ان لم تكن معى فأنت ضدى "..! أؤمن بعمق، أن بالانصات قد تتغير مفاهيم ومعتقدات عكفنا على اعتناقها دهوراً، والسبب هو الجلوس على مائدة حوار، فيها كؤوس حجج مقنعة، يقدمها محاور ذكى ومثقف ومفوه، لا يتزمت لفكره، ولا يحقّر رأياً يُعارضه، اذ بطريقةٍ أو بأخرى، كسب مؤيداً، وغير معتقداته، وهو الشيء غير السهل البتة..! ان للحوار فنا، وان للنقاش آدابا، لو أننا اتقناها، لتفتحت مداركنا، ولغزرت معارفنا، لكنا قادرون اما على اقناع الرأى الآخر، أو على الأقل الزامه بذكاء، على احترامِ آرائنا وان كانت على خطه المتوازى. ولقد ندرك جميعاً، أن الصراخ، و" الفهلوة " والاستناد على الضعيف من الحجج، قد توّلد لنا شخصاً يُغنينا صمته عن كلامه، فنعمل على أن نتحاشى حديثه وان كان لنا ذات الرأى، ونفس وجهة النظر، ولكن لأن الرقى الذى تبحث عنه النفس البشرية اختفى، فاختفى بطبيعة الحال من يقف الى جانبه. ولو أن الحوار المثمر، والنقاش المقنع ليس ضرورى الوجود، لما أكد الله سبحانه وتعالى على نبيه الكريم محمد — صلى الله وعليه وسلم — فى قوله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) ان حواراتنا تعكس ثقافتنا، وأسلوب نقاشنا يعكس بيئة عشناها، فكما يقول المثل (كل اناءٍ بما فيه ينضح )، فلنرتقى بأساليب أحاديثنا، ولنتذكر دائماً أننا لسنا فى ميدان حرب، الأعلى صوتاً هو المنتصر، لا بل ان المنتصر هو من قويت حجته، ونجح فى اقناع الآخر بوجهة نظره، مع احترام وجهة النظر الأخرى، وأن سياسة "ان لم تكن معى فأنت ضدي" سياسة فاشلة لا تصلح لعالم الحوار والنقاش، لأنها تضيّق المدى الذى تحتاجه الأحاديث بجميع أبعادها، ثم وان طال الكلام بلا فائدة وتحوّل الى جدالٍ عقيم، فلنتذكر قول الرسول — صلى الله وعليه وسلم —: (أنا زعيم بيت فى ربض الجنة لمن ترك المراء وان كان محقا ) [email protected]