19 سبتمبر 2025

تسجيل

المخابرات اليمنية..تصريف الجن

09 مارس 2016

كثرت في الآونة الأخيرة حوادث الاغتيالات لمسؤولين أمنيين وعسكريين وقيادات من المقاومة الشعبية في مدينة عدن وعدد من المدن الأخرى، وذلك بعد أن تمكن الجيش الوطني والمقاومة الشعبية - مسنودة بقوات التحالف العربي - من السيطرة على المحافظات الجنوبية وتضييق الخناق على قوات صالح وميليشيا الحوثي في محافظات صنعاء ومأرب والجوف والحديدة وحجة. ورغم الإجراءات والخطط الأمنية التي تتبعها الحكومة الشرعية إلا أن تعقيدات المشهد الأمني والاستخباري جعلت تلك الجهود عاجزة عن كبح جماح العنف المنظم. تشير دلائل حوادث التفجيرات والاغتيالات إلى أن هناك جهازا خطيرا يجمع الجن المسلمين منهم والكفار من كل الأمصار والقواعد ويصرفهم بإحكام لخلق حالة من الحنق الشعبي ضد الرئيس عبدربه منصور هادي الذي وصفه المخلوع بأنه لم يستطع حكم مدينة عدن فكيف سيحكم اليمن.تشير التقديرات إلى أن الرئيس المخلوع لا يزال يسيطر على أكثر من 60 في المائة من الاستخبارات بكل أجهزتها وأن الحكومة الشرعية تبدو مهيضة الجناح وغير قادرة على الطيران لفرض رقابة لصيقة تحمي ما حققته من سيطرة على الأرض.منطق العصابة المستند إلى القبلية والمذهب الذي حكم به علي عبدالله صالح أكثر من ثلاثة عقود جعله مستعدا بشكل كبير لمثل هذه الظروف كما أن المبادرة الخليجية التي منحته وأركان حكمه الحصانة مكنته من البقاء موجها ومخططا لما بعد المرحلة الانتقالية التي قررتها المبادرة، الأمر الذي انتهى إلى تحالفه مع الحوثيين واستغلال إمكانات دولته العميقة أو دولة العصابة مضافا إليها إمكانات الميليشيا الطائفية المدعومة من إيران ليفرض على اليمنيين واقعا مأساويا انتهى بحرب حولت أكثر من 25 مليونا إلى بؤساء ومشردين.السؤال الذي أحاول الإجابة عليه هو: كيف جمع صالح الجن وكيف يتحكم الآن بتصريفهم لإشباع نهمه في التدمير من أجل السيطرة والعودة إلى الحكم؟ بدأت القصة تقريبا في 1998 منذ تولى نجله أحمد مدة عقد من الزمان قيادة قوات الحرس الجمهوري المكونة من ١٧ لواء وخلال هذه المدة وتحت مبرر محاربة الإرهاب تم السير على عقيدة عسكرية طائفية حولت مؤسسات عسكرية وأمنية إلى أدوات تحمي الحاكم ومن يرثه، تحاكي تماما قوات الحرس الثوري في إيران القائم على حماية نظام ولاية الفقيه، فالحرس الجمهوري الذي عرفه الناس أنه للدفاع عن النظام الجمهوري ومؤسساته العليا انحرف عن هذا الهدف إلى مآرب أخرى تجلت من خلال ضخ عدد كبير من سكان مناطق معينة يعتقد أهلها بمبادئ المذهب الزيدي - إذا جاز لنا تسميته بالمذهب - وتعيين كل قادة ألوية الحرس من الزيود لضمان بقاء رمزية الحكم دائما في مناطق شمال الشمال من الزيود بالتحديد، لذلك نرى تماسك هذه القوات رغم الضربات الموجعة التي تلقتها من نيران قوات التحالف.المؤسسة الأخرى التي أسست وفق نظام الباسيج في إيران هي جهاز الأمن القومي الذي أعلن عنه عام 2002 ليقوم بمهام محاربة الإرهاب والتجسس وتوفير المعلومات الاستخبارية لكل ما يتعلق بشؤون أمن الدولة اليمنية لمواجهة أي اختراق، ولهذا الجهاز مراكز احتجاز تعمل خارج القانون وكان يرأسه علي الآنسي من خارج الأسرة الحاكمة، لكن عمار محمد عبدالله صالح ابن أخ الرئيس المخلوع كان يشغل منصب وكيل الجهاز ويعتبر هو المسؤول الفعلي عن كل العمليات، وقد أقاله الرئيس عبده ربه منصور عقب تفجيرات استهدفت جنودا في تدريبات العرض العسكري بميدان السبعين في العاصمة صنعاء، وكشف فيلم استقصائي لقناة الجزيرة علاقة عمار الوثيقة بقادة من تنظيم القاعدة..أنشيء الجهاز وفق استراتيجية عدم توظيف من لا ينتمون لمناطق بعينها لكي لا يتكرر ما حصل في جهاز الأمن السياسي الذي تم إنشاؤه عام ١٩٩٢ وتم استيعاب عدد كبير ممن شاركوا في حرب ١٩٩٤ من مختلف مناطق اليمن مما جعله غير مؤهل لحماية نظام الحكم الوراثي الزيدي أو نظام العصابة الذي عادة ما يكون أقوى من نظام الدولة.يعتبر الكثير من اليمنيين أن جهاز الأمن القومي مسؤول عن العديد من الاعتقالات والاختطافات للمعارضين والاختفاء القسري للمئات خاصة من ناشطي الثورة الشعبية التي اندلعت في فبراير 2011 ولا تزال خلاياه حتى اللحظة تقود الحرب الخفية.نظام الرئيس المخلوع بدأ علاقاته بالتنظيمات الإرهابية منذ عودة من يسمون بالأفغان العرب ويومها كان الصراع على أشده بين الطرفين الموقعين على اتفاقية الوحدة عام 1990 وما تبعها من تحييد للأجهزة الأمنية التي كانت تتبع الشمال والجنوب، مما سمح بالحركة المريحة للتنظيمات الإرهابية التي كانت الأيديولوجية الاشتراكية يومها عدوها اللدود وهنا بدأ صالح في استغلالها لضرب شركائه في السلطة عن طريق موجة من الاغتيالات لرموز الحزب الاشتراكي، وإشراكهم في القتال في حرب 1994 وبعد ذلك أصبحوا تماما تحت سمع وبصر جهاز الأمن السياسي ثم بعد ذلك جهاز الأمن القومي وهنا بدأت الكارثة.حادثة هروب ٢٣ سجينا من قادة القاعدة من سجن الأمن السياسي المحصن في فبراير 2006 تشير إلى ضلوع جهاز الأمن القومي في تدبير الهروب الكبير وذلك لأن ما كشفته وثائق ويكيليكس يؤكد صراع الأجهزة ورغبة الرئيس صالح آنذاك في تحقيق الحماية القصوى لكرسي الحكم. ذلك أن جهاز الأمن السياسي غير الموثوق به لم يعد يعول عليه كما أن صالح كان ربما يريد من هذه الحادثة تحقيق تنسيق أمني أكبر مع الجارة السعودية والأمريكيين بهدف الحصول على دعم مالي كبير وسخاء لوجيستي، حيث طلب صالح نفسه عند مقابلة السفير الأمريكي بعد حادثة الهروب الكبير أجهزة تقنية متطورة وعتادا يمكن لجهاز الأمن القومي من خلالها تحديد مواقع الإرهابيين المحتملين الذين يتخذهم فزاعة لمزيد من الكسب المادي وإقناع الدول الكبرى بأهمية وجوده في السلطة، لكن السفارة الأمريكية علقت يومها حسب ويكيليكس "صالح لم يتقدم إلى الأمام كرجل ذي رؤية من حيث توجهات مؤسساته الأمنية ومخابراته".تحتاج السلطة الشرعية وقوات التحالف العربي إلى جدية أكبر في إنهاء الحرب وكسب المعركة لأن إطالة أمد الحسم سيجعل الكثير من الأوراق تختلط والمواقف تتبدل وهذا ما يراهن عليه تحالف الحوثي وصالح الذي استغل حاليا بشكل ملفت خبراته التراكمية في تصريف الجن والمجانين.