14 سبتمبر 2025

تسجيل

رسالة إلى وزراء خارجية الأمة

09 مارس 2015

تعمدت في رسالتي إليكم أن أستخدم مفردة الأمة وليس الدول العربية، لأن ذلك ينطوي على دلالة لعلها بديهية، مؤداها أنكم تنتمون إلى سياق جماعي واحد وليس إلى دول مختلفة، وإن احتفظت كل دولة بخصوصيتها الوطنية، ومناسبة هذه الرسالة هي اجتماعكم الثالث والأربعون بعد المائة في إطار مجلس الجامعة العربية، الذي تحتضنه القاهرة اليوم، وسأكون صريحا وواضحا معكم، ولن أخفي عنكم مشاعري كمواطن، وإن لم تختلف كثيرا عن مشاعري كصحفي مهتم بشؤون الأمة. وبعد تقديم واجب الاحترام لكم، أتطلع إلى أن تحدثوا هذه المرة تغييرا في نوعية وطبيعة قراراتكم، والتي تنطوي على أهمية خاصة، لأنها ستحال إلى قادة الأمة في قمتهم القادمة بشرم الشيخ يومي 28 و29 مارس الجاري، لأنها تمثل المرتكز والأساس الذي تستند إليه قرارات القادة، والتي يتطلع المواطنون إلى أن تكون هذه المرة، قادرة على التجاوب مع أشواقهم، في تجاوز ما تتعرض له الأمة من حروب، وانتكاسات لثورات الشعوب وعودة الطبقات التي كانت تحكم قبل هذه الثورات، ووأد الظواهر الإرهابية التي باتت تنتشر في شرايين الأمة، مثل انتشار النار في الحطب، والأهم من كل ذلك، اتخاذ الخطوات الضرورية والتي تأخرت طويلا ربما بفعل حسابات وتقديرات موقف غير صحيحة، خاصة على صعيد تحقيق الترابط والتكامل الحقيقي، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وعسكريا. لم يعد ثمة مجال للمزيد من الخسائر والانهيارات والتراجعات، والتي جعلت أمتنا في ذيل قائمة التطور والنهوض الحضاري، رغم امتلاكها كل مقومات البقاء في مقدمته وصدارته، سواء من حيث القدرات البشرية أو الموارد والمكونات الطبيعية والثروات، وبعضها نمتلك فيه ميزات نسبية غير متاحة لغيرنا من الأمم، على النحو الذي يتوافر لدينا، فلماذا تبقى الأمة على هذا النحو من الإقامة في ذيل القائمة؟ لماذا لا تبحثون بجدية كل المعوقات التي قادت وما زالت تقود إلى هذه الحالة التي لا تنسجم مع موروثنا الحضاري، ومنظومتنا القيمية والدينية التي تحثنا بقوة على اقتحام كل مكونات الإنتاج والتميز والعطاء الحضاري في كل المجالات؟ قد يكون هذا الأمر سابقا لأوانه، ولا ينبغي طرحه في اجتماعات زاخرة بجدول أعمال مكون من 28 بندا، تتصل بكل هموم وقضايا وملفات الأمة السياسية والأمنية والاقتصادية والإعلامية، ولكن يا أصحاب السعادة والمعالي، لو أن الأمة عالجت من قبل هذه الأسباب والمعوقات، ووضعت الحلول لها دون تردد، لما بلغت الأمور هذا الحد من التردي في الأحوال، ولما كنا في هذه الوضعية التي نضطر فيها اضطرارا إلى الاستعانة بقوات الآخرين للدفاع لحمايتنا، من نفر خرجوا من بيننا زاعمين أنهم بصدد إعادة دولة الخلافة الإسلامية، مثلما يحدث في العراق وسوريا الآن.ولن أذهب بعيدا عن مفردات المرحلة الراهنة، لأنني على قناعة بأن الوقت لا يسمح بالتفكير بأكثر مما تتعرض له الأمة من اضطرابات وأحداث جسام غير مسبوقة في تاريخها كله، وبالتالي فإن اجتماعكم اليوم سيلقي عليكم العبء الثقيل لتقوموا بوضع الحلول لها، حتى تبدأ الأمة في استعادة بعض من عافيتها المفقودة، بيد أن ذلك يستوجب أن تضعوا في حسبانكم بالدرجة الأولى تحقيق الحد الأدنى من التوافق والتفاهم فيما بين مواقف حكوماتكم، لأنه لا ينبغي أن يكون اجتماعكم مخصصا اليوم لتحديد ملفات وبنود قمة باتت على الأبواب وثمة خلافات وتناقضات بين بعض دولكم يمكن بمناقشات هادئة بشأنها ومعرفة مسبباتها الحد من تداعياتها وتمهيد الأجواء لهذا الحد الأدنى من التوافق والتفاهم، فلا أحد يحلم بالتوافق والتفاهم الكامل، فذلك بات ترفا، وإن كانت الروابط والعوامل القوية فيما بين دولكم التي تنتمي إلى أمة واحدة تحتم ذلك.إن مكابدات شعوب في أقطار عربية تواجه الحروب الأهلية والمذهبية والطائفية، تستوجب منكم، يا أصحاب السعادة والمعالي وزراء خارجية الأمة، أن تسارعوا بوضع محددات واضحة وقاطعة لإنهائها، فما يجري في سوريا واليمن وليبيا فضلا عن العراق، لا يجب أن يستمر بأي حال من الأحوال، ولا ينبغي أن يكون موضعا لتباين أو مساومة، أو صفقات مع أطراف خارجية على حساب هذه المكابدات، خاصة بعد هذا السيل من التدفق في سفك الدماء والقتل والذبح للأبرياء وتدمير البنى التحتية، فضلا عن الموروث الحضاري على أيدي جماعات تفهم الإسلام بالمقلوب وليس وفق رؤية السلف الصالح والذين كانوا أكثر استنارة منها، لأنهم حافظوا على كل مقتنيات الشعوب التي دخلت في دين الإسلام، سواء بالفتح أو بالتجارة أو بغيرهما، فبقيت حتى يومنا هذا ولم تتعرض للتدمير أو التخريب أو النهب أو المتاجرة فيها مثلما يفعل "داعش" وغيره من تنظيمات الإرهاب. الأمر جد خطير ولا ينتظر منكم سوى اتخاذ القرارات التي تنطوي على آلياتها التنفيذية حتى يمكن عرضها على قادة الأمة ليتم تطبيقها على الفور وبعضها قد لا ينتظر حتى انعقاد القمة القادمة، المهم دخولها حيز التنفيذ لحماية مقدرات شعوب الأمة وبالطبع ليس بمقدور صحفي متواضع مثلي أن يملي عليكم ما يمكن أن تقرروه في هذا الشأن، لكني على دراية بأن ثمة دراسة شاملة أعدها الدكتور نبيل العربي، الأمين العام للجامعة بعنوان صيانة الأمن القومي العربي وقدم لكم محتواها في اجتماعكم الاستثنائي منتصف يناير المنصرم وقررتم إحالتها إلى المزيد من الدراسة وأظن أنها باتت جاهزة للعرض عليكم وهناك حماس شديد من قبل الأمانة العامة للجامعة بأن تحظى ما تتضمنه هذه الدراسة من خطوات عملية ومحددة بتقديركم لإقرارها ثم إحالتها إلى القادة، خاصة أن هناك قرارا مهما أصدره اجتماعكم العادي في سبتمبر الماضي يتعلق بحماية الأمن القومي العربي وهو ما يعني أن هناك أرضية متوافرة للانطلاق منها للبدء في فرض محددات هذه الحماية حتى لا تسقط الأمة في براثن الخوف والإرهاب والتقسيم على أسس مذهبية وطائفية تريدها القوى المناهضة لها لتحقق مشروعها في إعادة رسم خارطة المنطقة وفي المقدمة الدول المنتمية للأمة. وقبل أن أختم رسالتي حتى لا أطيل عليكم – أصحاب السعادة والمعالي – أرجوكم، لا تتجاهلوا قضيتنا الأولى والمتمثلة في استمرار الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية، وغيرها من الأراضي العربية منذ أكثر من سبعة عقود، ضعوها في حساباتكم، ولكن بعيدا عن اللغة الإنشائية التي اعتدنا عليها في بياناتكم وقراراتكم السابقة، هذه المرة أتطلع إلى إجراءات جلية القسمات تفعل قرارات سابقة للقادة ولكم، بشبكة أمان للشعب الفلسطيني بمائة مليون دولار شهريا، كخطوة تسهم في صموده في وجه الهجمة الشرسة من حكومة التطرف بقيادة بنيامين نتنياهو، التي قطعت عنه مستحقاته وحقوقه المتمثلة في عائدات الضرائب والجمارك، فضلا عن تمكينه من مواجهة تهديدات الكونجرس الأمريكي الذي يمثل الذراع السياسية لهذه الحكومة بوقف المساعدات المالية، فمن الأولى بهذا الشعب؟ أليس نحن أبناء هذه الأمة التي ننتمي إليها جميعا؟. إنني أعلم أنه ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، غير أنني أحلم هذه المرة بأن تشهد اجتماعات اليوم، إشارات على انبثاق روح عربية جديدة لتغزل زمانا، بصراحة، اشتقنا لأن نبصره بأعيننا ونلمسه بأصابعنا، خاصة أنني على دراية بأنكم تمتلكون جميعا حسا قوميا رفيع المستوى ورؤية واسعة الأفق لقضايا الأمة.لكم مني المحبة والسلام..