16 سبتمبر 2025

تسجيل

قطر ونهاية عصر الإملاءات

09 مارس 2014

تحولت قطر من قوة ناعمة إلى قوة فاعلة على مدى عقد من الزمان، مما أثار حفيظة البعض ممن كانوا ينظرون إليها باعتبارها تابعا تتلقى الأوامر والتعليمات والإملاءات، وهالهم أن يروا فاعلية الدبلوماسية القطرية، عربيا وإقليميا ودوليا، وأخذوا يكيدون لدولة قطر في السر والعلن، وسلطوا عليها شياطين إعلامهم وأبواقهم الآثمة من كل حدب وصوب.التوجهات القطرية لم ترق للبعض، ممن اعتبروا أن "تمدد" الدبلوماسية القطرية خارج حدودها "كفر يستحق التوبة"، ومن هنا بدأت "الحركشات" وتوجيه اللوم والنقد والتجريح وتشويه السمعة والشيطنة، دون أن ترد الدوحة على هذه الإساءات. إلا أن الأمور تفجرت في النهاية على شكل سحب سفراء السعودية والإمارات والبحرين من الدوحة، وعللت هذه الدول قرارها في بيان ثلاثي جاء فيه أن قطر رفضت السير، ضمن إطار سياسة موحدة لدول المجلس، وفسر هذه السياسة بالالتزام بالاتفاقيات الموقعة بينها، بما في ذلك الاتفاقية الأمنية، والالتزام بالمبادئ التي تكفل عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول المجلس بشكل مباشر أو غير مباشر، وعدم دعم كل من يعمل على تهديد أمن واستقرار دول المجلس من منظمات أو أفراد، سواء عن طريق العمل الأمني المباشر أو عن طريق محاولة التأثير السياسي، وعدم دعم الإعلام المعادي.هذه الصيغة تكشف عقلية "الإملاءات" التي تفرضها دولة منتصرة على دولة خاسرة في حرب، وكأنه لا رأي لها ولا قرار في الموافقة أو عدم الموفقة على هذه الاتفاقية أو تلك، وخاصة إذا كانت اتفاقية أمنية لا تعني سوى استعداء الشعوب وحكمها بالحديد والنار" وهو ما لا تحتاجه قطر، فنسبة الرضا عن الحياة في قطر تتجاوز 96% ، وهي من أكثر الدول أمنا في العالم، والعلاقة بين المواطنين مع نظام الحكم طيبة، وغالبية المقيمين يعلنون ولاءهم وانتماءهم لقطر وأهلها وحكومتها، مما ينفي الحاجة إلى إجراءات أمنية تعمل على خلق دولة بوليسية، وهناك ما يكفي من القوانين التي تضمن معاقبة من يسيء أو يخرج على النظام أو المنظومة الاجتماعية في إطار من العدالة وليس الاستبداد والتسلط، فهل هذا الوضع يهدد أمن السعودية والإمارات والبحرين؟ بالتأكيد لا .. لكن القضية هي أنهم يريدون لقطر أن تكون على شاكلة أوضاعهم وقوانينهم، ويكفي هنا أن أشير إلى أن قانون الإرهاب السعودي الذي صدر قبل يومين يحول البشرية كلها إلى متهمين وليس الشعب في السعودية فقط، فهو يحظر المظاهرات والاجتماعات و الندوات أو المؤتمرات "داخل السعودية وخارجها" أو إظهار التعاطف أو المشاركة في جميع وسائل الإعلام المسموعة، أو المقروءة، أو المرئية، ووسائل التواصل الاجتماعي بشتى أنواعها، المسموعة، أو المقروءة، أو المرئية، ومواقع الإنترنت، أو تداول مضامينها بأي صورة كانت، أو استخدام شعارات هذه الجماعات والتيارات، أو أي رموز تدل على تأييدها أو التعاطف معها. وللمرة الأولى في العالم العربي وربما العالم تتحول المشاركة في ندوة أو مؤتمر إلى عمل إرهابي، فهل هناك دولة في العالم تحترم نفسها يمكن أن تحول مواطنيها إلى مجرد"ملفات أمنية"، وهل يستقيم أي حكم بهذه الطريقة يحول البلد إلى "قلعة من الخوف".هذه الدول تريد تحويل أنظمة الحكم في الخليج العربي إلى سياج أمني يضرب ظهور الناس ويقطع مع الشعوب ويعاديها، وهو مالا تحتاجه قطر، لأن العلاقة بين الحاكم والمحكوم هي علاقة مودة وثقة، فالشعب يثق بنظامه والنظام يثق بشعبه، والكل يحتكم إلى منظومة من القوانين تعطي كل ذي حق حقه، فقطر تؤمن بالحرية التي يكفر بها الآخرون.القضية الأساسية الثانية تتعلق بالربيع العربي، والكل يعلم أن قطر انحازت إلى الشعوب التي تطالب بالحرية، وأيدت الثورات العربية، وهذا ما لم يرق لدول في الخليج العربي سخرت كل إمكانياتها لإحباط الثورات وآمال الشعوب العربية بالانعتاق من الظلم والدكتاتورية والفساد، وذهبت أبعد من ذلك بتمويل الانقلاب على أول رئيس مدني شرعي في تاريخ مصر الحديث، وهو ما لم تقبله قطر التي تؤمن أن الشعب المصري هو صاحب الحق في اختيار حكامه عبر صناديق الاقتراع وليس الانقلاب، مما أغضب السعودية والإمارات اللتان استثمرتا مليارات الدولار في الانقلاب على الشرعية.