13 سبتمبر 2025

تسجيل

انتفاضة الأنبار... من الحراك الشعبي إلى المشروع السياسي

09 مارس 2013

انطلقت انتفاضة الأنبار في كانون أول من العام الماضي عفويا وتلقائيا بعد تراكمات من الظلم والفساد والتمييز على مدى سنوات فجرت مشاعر غضب ضاقت بها الصدور، جاءت الانتفاضة كردة فعل عاطفية لكنها بنفس الوقت عبرت عن وعي وإرادة، وهي في سلسلة الانتفاضات الكبرى ربما تعتبر الثانية بعد انتفاضة الخامس والعشرين من شباط من عام 2011 لكنها بالتأكيد الأكبر والأخطر. نعم كانت أفضل التوقعات أن الانتفاضة أو الربيع العراقي قادم لا محالة ولكن ليس قبل أن يتحقق التغيير المنتظر في الجارة المنكوبة سوريا، والذي عجل بتفجيرها عن قصد وغرض هو المالكي نفسه عندما استهدف في هذا الوقت بالذات حمايات وزير المالية العيساوي بتهم مشكوك بصحتها بقيت معلقة لسنوات. تلاشت انتفاضة الخامس والعشرين من شباط بمرور الوقت تحت ضربات موجعة من القمع المفرط وإرهاب السلطة وهكذا تناقص الزخم الجماهيري وتراجع الحماس، لكن ما عجل في هذا حقيقة هو غياب الإطار التنظيمي وتجاهل العمل المؤسسي والمنهجي من جانب الأطراف التي دعت وروجت للانتفاضة ونشطت في ذلك من خلال صفحات التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، وهذا درس بليغ في النشاط الجماهيري كان ينبغي الوقوف عنده وتحليله بهدف استخلاص الدروس والعبر لأي نشاط جماهيري مقبل .بكلمة أخرى انتفضت الأنبار دون خطة أو منهج عمل مسبق، حالها كحال العديد من ثورات الربيع العربي، لا أقلها تجربة تونس. لكن ذلك لا يعفينا من تدارك الأمر واللحاق بالأحداث من أجل ضبط إيقاعها وتوجيهها نحو الأهداف المرسومة من أجل تحقيقها بأفضل طريقة وأقصر زمن.لا أقصد أننا ينبغي أن نبدأ من الصفر بعد أن ثبت أن المنتفضين يملكون قدرة كبيرة في الإدارة والتنظيم، والنجاحات المتحققة كثيرة منها، اختيار اللجان التنسيقية، اللجان التخصصية المختلفة، التوافق على تسمية أيام الجمع، التمويل بالتبرعات عينا ونقدا، النشاطات اللوجستية المختلفة، البيانات، وحدة المطالب .... الإعلام ...الأمن...إلخ حيث انعكس ذلك إيجابيا في انتظام ديمومة الزخم الجماهيري وتواصل علو الهمة وعدم التراجع، لكن تبقى مسائل جوهرية أصفها كنهايات سائبة لازالت بحاجة إلى ربط وشد، من خلال تأطير النشاط بمنهج ينطوي على رؤية وخطة متكاملة فيها سياقات وآليات عمل وخارطة طريق وخطط للطوارئ، وإدارة موحدة وغير ذلك من التفاصيل.تواصلت الانتفاضة وتعاظم زخمها وهذا فأل حسن لكنها مع ذلك بحاجة لمراجعة موضوعية لمعالجة قصور يطفو على السطح من وقت لآخر على شكل تناقضات في التصريح والموقف والإدارة وغيرها.إلى جانب مطالب هامة لازالت بعيدة المنال أستطيع القول إن تحقيقها لن يتم إلا في إطار العمل المنهجي والمؤسسي، وعلى سبيل المثال لا الحصر: كيف السبيل لاستنفار كامل الطاقات الجماهيرية في المحافظات المنتفضة؟ كيف السبيل لإقناع وتشجيع المحافظات الأخرى كي تنظم للمحافظات المنتفضة؟ كيف السبيل لرفع المعنويات ومعالجة الشعور بالإحباط والملل في حالة طول فترة الانتفاض؟ كيف السبيل لحث المجتمع الدولي على التعاطف والاهتمام؟ كيف السبيل لضم جهود العراقيين في الخارج لإخوانهم في الداخل؟كيف السبيل لإبقاء الانتفاضة سلمية وعدم الانجرار للاستفزاز والتحريض؟كيف السبيل لتحقيق الأهداف في ظل المماطلة والتسويف؟كيف السبيل لحماية الانتفاضة والحفاظ على استقلاليتها وتميزها؟كيف السبيل للتحول من مطالب الإصلاح إلى مطالب التغيير ؟كيف السبيل للتعامل مع الانتخابات القادمة؟كيف السبيل لتحديد الثابت والمتغير؟كيف السبيل لتحديد الموقف من ائتلاف العراقية؟كيف السبيل لمواجهة مشروع قائم بمشروع مقابل؟ أسئلة عديدة تنتظر إجابات محددة في إطار مشروع انتفاضة متكامل؟ غيابه هو المسؤول - إلى جانب عوامل أخرى - عن عدم تحقيق أي تقدم يذكر رغم مرور ما يزيد على سبعين يوما على انطلاق الانتفاضة، بينما كان المفروض أن نحقق في كل أسبوع تقدما ولو محدودا يقربنا من المطالب المعلنة، كان هذا من شأنه أن يرفع من معنويات المنتفضين أكثر ويشدهم إلى القضية بشكل أوثق ويقضي على أي احتمال بالشعور بالإحباط واليأس إذا طال الزمن خصوصا أن الطرف المقابل يراهن على ذلك بقوة ويسعى لتحقيقه.مهمة الانتفاضة أصبحت جسيمة، بعد أن انفتحت مطالبها على فضاء الوطن الواسع وباتت الأمل في التغيير كبديل عن عملية سياسية تعاني من حالة استعصاء مزمن يرافقه عجز في المؤسسات الدستورية، وضعف واضح من جانب الائتلاف الذي يمثل جمهور الانتفاضة وأقصد به ائتلاف العراقية الذي فقد الكثير من قوته وتماسكه وبات هو بنفسه بحاجة للإصلاح والتغيير، هذا إلى جانب أن معركة التغيير قد تأخذ وقتا طويلا وقد تتعرض لمفاجآت غير سارة من جانب السلطة باستخدام العنف، مما قد يدفع المجتمع الدولي للتدخل. لهذا لابد أن تتكيف الانتفاضة في إطار مشروع سياسي متكامل باتت الحاجة ماسة إليه في تقويم اعوجاج مشروع قائم أضر بالوطن والمواطن وهناك في تصوري الكثير الذي انخرط في الانتفاضة مبكرا من الأفراد والجماعات من يملك خبرات طيبة في إدارة النشاط الجماهيري يمكن أن يوظف لهذا الغرض يضاف لها من الخبرات والكفاءات والتجارب المتراكمة من مختصين أو مراكز تدريب متمرسة في التنمية البشرية أو التخطيط الإستراتيجي أو إدارة الأزمات يمكن الاستعانة بها أيضاً لهذا الغرض من أجل أن تأخذ الانتفاضة نمطا منهجيا مؤسسيا يوفر لها جميع مستلزمات النجاح والتوفيق.