19 سبتمبر 2025
تسجيلكان يوم الجمعة الرابع من مارس يوما مختلفا آخر في تاريخ جديد تكتبه الآن الثورة المصرية التي تسعى لبناء "زمن" جديد يتم فيه التخلص من كافة أدران "الزمن" السابق.. فقد شهد هذا اليوم ظهور أول حاكم مصري يختاره الشعب.. ليس عبر انقلاب عسكري أو حتى وفق آليات الديمقراطية الحديثة.. بل عبر فرضه فرضا. لقد جاء رئيس الوزراء الجديد الدكتور عصام شرف للحكم تنفيذا لإرادة شعبية استطاعت أن تسقط أعتى النظم الاستبدادية في المنطقة.. فكان من السهل عليها أن تفرض إرادتها في اختيار حاكمها.. وقد كان لها ما أرادت. وجاء هذا الرجل الذي دخل ميدان التحرير حيث المكان الذي انطلقت منه شرارة الثورة وأصبح رمزا لها، محمولا على الأعناق.. وفوق منصة الميدان، ردد الرجل الكلمات التي انتظرها الشعب طويلا من حكامه على مر العصور.. أن الوطن ملك للمواطن.. وأنه لا فرق بين مواطن وآخر فالكل سواسية أمام القانون.. وأن أوان العمل لبناء مصر الحرة المستقلة القوية قد حان.. "فانطلقوا يا شباب مصر وابدأوا جهادكم الأكبر بعد أن أنجزتم جهادكم الأصغر". الآن يمكن القول إن الثورة قد نجحت في تخطي أكبر العقبات التي كانت تقف أمام إنجاز هدفها الرئيس عبر التخلص من أدرانها المتمثلة في إسقاط النظام وبناء نظام ودولة جديدة وفق أسس عصرية تقوم على مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان.. ومن مؤشرات هذا النجاح سقوط رأس النظام ورئيس الدولة الفانية، ثم سقوط حزبه وحكومته التي شكلها قبل سقوطه والتي رأسها الفريق أحمد شفيق الذي كان رغم نظافة يده حاملا لأفكار هذا النظام الساقط ويسعى جاهدا للالتفاف على الثورة لإجهاض أهدافها. لكن لا يزال هناك بواق من أدران مصر لم تتخلص منها حتى الآن ولعل أبرزها بقايا النظام الساقط من قبيل حكام الأقاليم والمجالس الشعبية والمحلية في تلك الأقاليم التي مثلت آبار دعم متجددة لهذا النظام والوسيلة المثلى لتنفيذ سياساته الإجرامية في حق مصر والمصريين، خاصة ما يتعلق منها بتزوير الإرادة الشعبية في الانتخابات الهزلية التي شهدتها مصر طوال ما يزيد على ستين عاما خلت. هناك أيضا بقايا الحزب الحاكم السابق الذي حكم البلاد عبر مؤسسة الفساد الكبرى التي سيطرت على شتى أنحائها ومختلف مجالات الحياة فيها مستغلا التماهي الشديد بين هياكله وبين مؤسسات الدولة التي وفرت له إمكانات هائلة مكنته من السيطرة المحكمة على الدولة والمجتمع. فضلا بطبيعة الحال عن وسائل الإعلام والثقافة التي استطاع من خلالها توجيه جزء مهم من إرادة المجتمع وتغييب جزء آخر عبر الأكاذيب التي كان يبثها في تلك الوسائل ليل نهار والتي ما زالت قائمة حتى الآن، وإن كانت بدرجة أقل بعد استبعاد العديد من رجاله من المؤسسات الإعلامية، الذين كانون يقومون بتنفيذ هذه المهام القذرة. ربما يمكن القول إنه بعد نجاح الثورة في التخلص من هذه الأدران ستكون قد استطاعت تحقيق شروط الأمن والأمان لطريقها الذي تسير فيه نحو تحقيق هدفها الأساس والذي يتضمن ثلاث مهام أساسية يجب تحقيقها بصورة متوازية: المهمة الأولى هي تأسيس البنية الأساسية للنظام الجديد والتي تشمل وضع دستور جديد وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية حرة ونزيهة ومعبرة عن إرادة الشعب وثورته، ثم العمل على مراجعة كافة القوانين التي تحكم المجتمع لتكون متوافقة مع الدستور الجديد ومبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان. المهمة الثانية تتمثل في تفعيل الأجهزة الرقابية على الدولة ومؤسساتها من أجل اجتثاث جذور مؤسسة الفساد الكبرى التي كبرت وترعرعت في ظل النظام السابق الذي حكم وفق مبادئ الفساد والإفساد مع شل حركة تلك الأجهزة القائمة لمنعها من مواجهة هذه المؤسسة. وهو ما يتطلب ضرورة تفعيل هذه الأجهزة وبناء الجديد منها الذي يساعد على تحقيق هدف اقتلاع مؤسسة الفساد من جذورها. المهمة الثالثة وهي التي ربما تستغرق عشرات السنين لأنها تتعلق بتغيير الثقافة السلوكية للمجتمع والتي تراكمت في العهد البائد.. الثقافة التي تقوم على مبادئ الفساد والإفساد ولا تسمح بأية محاولات للابتكار أو للإبداع فضلا عن التكافؤ في الحصول على الفرص أو حتى الحصول على الحقوق بكافة أنواعها. الثورة المصرية حققت الجزء الأسهل من مهمتها المتمثلة في التخلص من أدرانها وهدم دولة الفساد والظلم في أيام قليلة.. لكن يبقى الجزء الأصعب من المهمة المتمثل في بناء دولة العدل وحقوق الإنسان والتي تحتاج لسنوات طويلة.. سوف تحرم ربما جيل الثورة من قطف ثمارها الكاملة.. لكن يبقى العزاء في أن الأبناء هم من سوف يقطفون هذه الثمار.