19 سبتمبر 2025
تسجيللقد خلق الله تعالى هذا الكون الفسيح بكل ما فيه من هذا الكم الهائل من المخلوقات على اختلاف أشكالها وأنواعها.. الزلازل وحكمة الخالق سبحانه: والله تعالى هو الذي ينظِّم ويدير ويدبِّر الأمر في هذا الكون الواسع بقدرته سبحانه وحسبما تقتضي حكمته؛ لذا يجب أن نعلم أن كل ما يحدث في الكون له حكمة يعلمها الخالق سبحانه وله دلالة لا بُدَّ أن يتفطَّن إليها العقلاء، وما نراه في السنوات القليلة الماضية من تتابع الآيات الكونية من الزلازل والأعاصير والفيضانات والخسوف والكسوف وغيرها من الكوارث التي تحدث دون سابق إنذار وفي لمح البصر، هذه الأحداث التي نعدها كوارث هي في الحقيقة آياتٌ من الله تعالى، وحدوثها في هذه الأوقات له حكمة. قال العلامة ابن القيم - رحمه الله -: «وقد يأذن الله سبحانه للأرض في بعض الأحيان بالتنفُّس فتحدث فيها الزلازل العظام، فيحدث من ذلك لعباده الخوف والخشية والإنابة والإقلاع عن المعاصي والتضرُّع إلى الله سبحانه والندم». وقد قال بعض السلف وقد زُلزلت الأرض: «إن ربكم يستعتبكم». وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وقد زُلزلت المدينة، فخطبهم ووعظهم: «لئن عادت لا أساكنكم فيها» انتهى. فهذه الزلازل والكوارث لها تفسيرات عدَّة قد تكون عقوبة أو تخويفًا أو إنذارًا، وكل ذلك يقتضي اللجوء والتوجُّه إلى الله بالتوبة والدعاء.. قال تعالى: «وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا» (الإسراء: 59). تعدُّد الحِكَم من الزلازل والكوارث ويتجلَّى في هذه الآيات قدرة الله البالغة التي يصغر أمامها كل تقدم بشري مهما كان كبيرًا.. قال تعالى: «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» (فصلت: 53). وبعض الكوارث تكون عقوبات يعذِّب الله بها عباده، عافانا الله وإياكم.. قال تعالى: «قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ» (الأنعام: 65). قصور العلم البشري على الرغم من تقدُّمه وهذه الزلازل والكوارث التي تقع من حولنا لها دلالاتها الواضحة لأولي البصائر والألباب على أن كل هذا الكم الهائل من الجهد البشري والتقدم العلمي والتكنولوجي ما زال قاصرًا عن معرفة أسرار هذا الكون وخفاياه.. وصدق الله إذ يقول: «وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا» (الإسراء: 85). فكل ما توصَّل إليه الإنسان من معرفة بشتَّى العلوم واتصاله بكثيرٍ من الثقافات والتقدُّم الواضح في حياتنا اليوم ما هو إلا مجرد ذرة في علم الله الكامل لكل ما خلق وذرأ في هذا الكون.. قال تعالى: «وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ» (يوسف: 76). فها نحن نرى عجز العلماء بكل طاقتهم البشريَّة وأجهزتهم الدقيقة وعلى الرغم ممَّا آتاهم الله من علم عن أن يتنبؤوا بوقوع هذا الزلزال أو غيره من الكوارث التي تكون خسائرها فادحة كما ترون كم الدمار والهلاك الذي تخلفه الزلازل. الواجب علينا عند وقوع الزلازل وغيرها من الكوارث: - المسارعة إلى التوبة الخالصة إلى الله والتضرُّع إليه ليكشف عنا، ونسأل الله العافية من الكوارث، ونكثر من الذكر والاستغفار كما علَّمنا النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - عند الكسوف: «فإذا رأيتم شيئًا من ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره» (رواه البخاري ومسلم). - النصح فيما بيننا والموعظة الحسنة التي تذكِّرنا بالآخرة وترشدنا إلى التعلُّق بما يُرضي الله تعالى وتحثنا على عدم التعلُّق بالدنيا لأنها دار فناء، كل ما فيها متاع الغرور، كما أخبرنا الله تعالى. - ويشرع وقت وقوع الزلازل الصدقة والبذل للمناطق المتضرِّرة، وهذا الأمر يعزِّز التكافل والترابط بين المسلمين في الشدائد. دعاء: نسأل الله تعالى أن يوفِّقنا لطاعته في كل أوقاتنا وأن يجنِّبنا عقابه في الدنيا والآخرة وأن يرفع عنَّا البلاء ويحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من الزلازل والكوارث والحوادث والأمراض والمحن والفتن ما ظهر منها وما بطن.. اللهم آمين.