12 سبتمبر 2025
تسجيلأكتب.. أكتب عن الوجع.. عن أحزان أمة.. تقتل بنيها.. تلتهم أجسادهم. أرواحهم.. تحرقهم أحيانا.أكتب.. أكتب عن هذه القسوة المفرطة.. عن هذا الغياب الواضح للضمير في التعامل مع الآخر المغاير فيتم سحله وذبحه وتقطيع أجزاء جسده. لا يهم. المهم إرضاء شهوة الانتقام.. الرغبة في فرض الحضور الوهمي لسلطة عبثية ثيوقراطية تعيد إنتاج أفكار لا تتسق مع روح الدين الزاخر بالسماحة. المسكون بالتسامح والعفو عند المقدرة. و"اذهبوا فأنتم الطلقاء". وفق ما أبلغ به المبعوث رحمة للعالمين. سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قومه إثر فتحه مكة عقب سنوات من المناهضة والمكايدة والعدوان عليه وعلى صحابته وعلى رسالته الجديدة. التي حاولوا إطفاء توهجها وضيائها ’ بيد أن من بعثه - الله سبحانه وتعالى- حماه ونصر دينه مؤسسا لزمان جديد ينهض على المحبة واحترام الإنسان. أي إنسان ما دام لا يبادر بالعدوان. أو يمارس الانتهاك ضد حقوق المسلمين.في زماننا تكونت جماعات مرتدية عباءة الإسلام رافعة السيف فحسب. بينما هو قائم على الدعوة "بالحسنى والموعظة الحسنة " فانطلقت تخرب في أرض المسلمين. وتقتل أبناءهم وتستحي نساءهم وتصلب وتقطع أوصالهم والهدف ليس نشر الدين. وإنما بعث الرعب في قلوب الآمنين وملاحقتهم وطردهم من منازلهم وممتلكاتهم وتشريدهم. وأخذ نسائهم سبايا ولا مانع من بيعهم في سوق للجواري أو بالأحرى للمتعة. هل حقا ذلك هو ديننا الحنيف. وهل كان يجري ذلك على أيدي السلف العقلاء؟ الذين طبقوا قواعد الدين بكل دقة. وبما لا يتعارض مع روحه وفطرته السمحة والنظيفة إلا من بعض مراحل انتشرت فيها فتن مماثلة لفتن هذا الزمان وظهرت فيها جماعات كفرت وقتلت المسلمين.وثمة سؤال يتبادر إلى ذهني كلما تابعت عملية قتل أو تخريب لهذه الجماعات التي تتعدد مسمياتها وعناوينها. لماذا لا تجرؤ على التوجه إلى العدو الحقيقي للأمة وهو الكيان الصهيوني لتقاتله وتواجهه وتقض مضاجعه وتذبح جنده المتورطين في قتل وسلب وانتهاك حقوق العرب والفلسطينيين؟ ما الذي يحول دون ذلك؟ لو قالوا: الجغرافيا هي السبب وأن الأنظمة العربية لا تفتح لهم الحدود، فذلك مردود عليه بأنهم باتوا منذ عدة أشهر على تماس مباشر مع هذا العدو بعد سيطرتهم على الحدود مع الجولان المحتلة. وبالتالي الإمكانية واسعة لتوجيه قدراتهم الهائلة وطاقاتهم المتفجرة إلى هذا العدو.أم أن هذه القدرات والطاقات لا توجه إلا لأبناء المسلمين بالاستيلاء على أراضيهم والقتل والتشريد لفلذات أكبادهم.عندما توجه تنظيم القاعدة بضرباته الموجعة للولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر من العام 2001. اختار الهدف الخطأ صحيح أن أمريكا هي الداعم الرئيسي للكيان والحامي له. وفق تحالف استراتيجي أبدي لكن من يمارس القتل في الفلسطينيين هم قطعان بني صهيون. الذين كانوا أولى بهذه العملية. وربما حصدوا تأييدا ومساندة واسعة من العرب والمسلمين في كافة الأنحاء. وعندما كان أهل القاعدة وداعش يقاتلون قوات الاحتلال الأمريكي في العراق. كانوا يحظون ببعض الشرعية. غير أنهم عندما وجهوا سلاحهم إلى العراقيين - حتى ولو كان ثمة تناقض مع النخب الحاكمة وبعضها كان صنيعة الاحتلال الأمريكي - فقدوا هذه الشرعية لأنه بالإمكان ممارسة التغيير من خلال المحددات الديمقراطية. ومبدأ تداول السلطة لا القيام بهذه الهجمات الفجة والسيطرة على المحافظات والمدن من خلال التمدد باستخدام القوة المفرطة. وممارسة التهجير القسري ضد السكان مسلمين بما في ذلك السنة والشيعة ومسيحيين وإيزيديين.وبدلا من أن يركز تنظيم داعش على مواجهة النظام السوري المتسلط، وجه طاقته لمحاربة الفصائل المسلحة الأخرى، التي تقاتل ضد هذا النظام فاختلطت الأوراق وبات إرهابه واضحا. بل ثمة من حدثني من قادة المعارضة عن تحالف ضمني بين هذا التنظيم والنظام في دمشق. والذي كان يترك له بعض المناطق. ويتحالف معه ضد عناصر الجيش الحر وبالتالي لم يعد داعش يمثل قيمة مضافة لمقاومة النظام. ومنذ أن دخل على خط الثورة باتت تتراجع لصالح النظام الذي استقوى من خلال تلويحه للعالم بورقة الإرهاب والتي تشكل نقطة ضعفه. فتلاشت إمكانية إسقاط نظام بشار الأسد إلى حدودها الدنيا وأضحى الجميع يركز على إسقاط ورقة الإرهاب التي تلعب بها باقتداء تلك الجماعات وفي مقدمتها داعش وأخواتها.أكتب.. أكتب عن وجع مازال يلاحقني فمساحات الدم المسكوب من أجساد أبناء الأمة تكفي الأنهار والبحار والمحيطات.أكتب أكتب عن أرواح تزهق كل صباح ومساء وظهيرة، والعدو الرابض هناك في فلسطين والقدس يمارس عدوانيته الفظة لا نتحرك ضده يرفض حتى ما طرحناه من مبادرات للسلام بل للتطبيع معه إن وافق على مغادرة الأراضي المحتلة إنه يستهين بنا بينما جماعات الإرهاب لا تطلق نحوه قطعة رصاص واحدة هل هي من صنيعته كما أقرأ في بعض التقارير؟ حتى هذه اللحظة لست على يقين كامل بأن الكيان الصهيوني وربما الولايات المتحدة بأجهزتها الاستخباراتية المتعددة هم من صاغوا وغزلوا ونسجوا وأسسوا هذه الجماعات لكنهم بكل تأكيد وفروا البيئة الحاضنة لصناعتها عبر الممارسات البشعة والانتهاكات المستمرة لحقوقنا وأراضينا؟ أتذكر أن القاعدة نشأت وترعرعت في وقت كانت فيه الولايات المتحدة تدعم المجاهدين الأفغان خلال حربهم ضد الاحتلال السوفيتي في ثمانينيات القرن الفائت وكان المجاهدون العرب وعلى رأسهم آنذاك أسامة بن لادن ضمن من تلقوا الدعم والإسناد الأمريكي والغربي بل والعربي غير أنهم سرعان ما بدأوا في البحث عن عدو جديد - بعد انسحاب السوفيت من أفغانستان – وكانت الولايات المتحدة عبر تجليات وجودها في المنطقة العربية وفي إفريقيا وبل وداخل أراضيها. هي العدو الأنسب ومع ذلك أخطأوا التقدير. فالعدو الحقيقي هو الكيان الصهيوني ولو وجهوا إليه جزءا ولو بسيطا من تفكيرهم ومخططاتهم وضرباتهم. لتداعى وربما تلاشى من الإقليم ولكنهم لم يفعلوا ولن يفعلوا. فهم أقوياء مع العرب والمسلمين وضعفاء وجبناء مع العدو الحقيقي. هذه هي طبيعة الجماعات الإرهابية التي تحاول أن تفلسف الأمور بطريقة خاطئة. من قبيل البدء بالعدو القريب قبل العدو البعيد.إنهم لا يواجهون أنفسهم يخضعون لمبدأ السمع والطاعة. التي تتبناه هذه الجماعات دون أي نقاش. ولو اعترض أحد مثلما فعل مفتي داعش على منهجية حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة. فلن يكون مصيره سوى القتل لأنه لم يطع حكم الإمام. أي إمام هذا الذي يتلذذ بدماء قتلاه ممن يحرقهم أو يذبحهم أو حتى يسبيهم ويبيعهم في سوق الجواري.